شؤون عمانية- العنود الزدجالية
صُدمت امرأة في عمر السبعين حينما اكتشفت أن 3 من أبنائها انجرفوا إلى دوامة الإدمان والمخدرات، لتشعر بالألم والأسى بسبب عجزها عن حمايتهم من هذا الهلاك، والآن تحارب من أجل مساعدتهم وإعادتهم إلى الطريق الصحيح، متمسكة بالأمل ومعتمدة على الدعم العائلي لتغيير هذا الواقع الأليم، إلا أن إجراءات العلاج في المستشفيات الحكومية والخاصة تقف تحديا كبيرا أمام تحقيق أملها.
عاشت الأم بين خيارين، إما انتظار دور أبنائها لتلقي العلاج في مستشفى حكومي حيث قد تصل مدة الانتظار إلى 3 أشهر، أو التوجه إلى مستشفى خاص بتكلفة مادية عالية، وفي المقابل الأبناء بين ممتنعين تارة ومنتكسين تارة، لكنها لم تتخل عنهم حتى الآن، وتتحمل تكاليف العلاج باهظة الثمن.
ويؤكد عدد من العائلات أنهم يعيشون حالة من الأسى بسبب الوقوع بين مطرقة انتظار المستشفيات الحكومية وسندان التكاليف المادية العالية في المستشفيات الخاصة، وبين هذا وهذا قد يتعرض المدمن للعديد من الانتكاسات التي تعيدهم إلى نقطة الصفر مرة أخرى، مطالبين بتوفير عيادات ومراكز حكومية في جميع المستشفيات لعلاج المدمنين في أسرع وقت والقضاء على هذه الآفة التي تدمر المجتمع.
وعلى الرغم من هذا المجهود الكبير الذي تبذله الأم إلا أن الأبناء لا يستجيبون للعلاج ويتعرضون للنكسة تلو الأخرى، متسائلة: هل السبب في البيئة المحيطة التي لا توفر الدعم المعنوي الكامل لهؤلاء، أم أن توفر المواد المخدرة يجعلهم يعودون لهذا السم القاتل، أم أن طرق العلاج باتت غير مهنية وأن المستشفيات الخاصة باتت تركز على العائد المادي أكثر من علاج المريض، أم أن طول فترة انتظار الدور في المستشفيات الحكومية يجعل المدن يعود إلى هذا الطريق الخاطئ مرة أخرى؟.
القبض على مدمن مخدرات
بين أرجاء المنزل الهادئ، اخترقت أصوات الأقدام المتثاقلة لأفراد الشرطة السكينة التي ينعم بها القاطنون في المنزل، ووقف الجميع يشاهد الابن الذي يبلغ من العمر 27 عاما والشرطة تضع في يديه الأقفال، تغمرهم مشاعر الصدمة والخوف والعجز، ماذا يحدث لماذا يضعون الأقفال؟ الأب يسأل “ليش شو مسوي ولدي”؟ فيجاوبه الشاب مخدرات يا عمي، الأب يكاد يسقط من الصدمة، بينما انهارت الأم بالبكاء، أدخلوه في سيارة مضلمة وكأنه مجرم، والعائلة لا تتوقف دموعهم بعدما اكتشفوا أنه مدمن منذ 8 سنوات.
ووفقا لإحصائيات السجل الوطني للإدمان 2021م، فقد بلغت نسبة الإدمان 3% للفئة العمرية الأقل من 20 عاما وهي تمثل نسبة الحالات التي طلبت بالرعاية الطبية وبطبيعة الحال هي لا تعكس الحجم الحقيقي والوقعي، كما بلغ العدد الإجمالي للحالات المسجلة في السجل الوطني للإدمان حتى العام الماضي 7666 حالة، وقد مثل الذكور 98٪ من الحالات المسجلة حديثًا في عام 2021م؛ بينما كانت نسبة الإناث 2٪.
وورد في السجل الوطني للإدمان أنه “وفقا لنوع المادة المخدرة جاء استهلاك المواد الأفيونية في المرتبة الأولى (75٪) ومن ثم القنب في المرتبة الثانية (58٪)، وتعاطي الكحول في المرتبة الثالثة (55٪) والمهدئات في المرتبة الرابعة (32٪) والمنشطات في المرتبة الخامسة (31%)”..
ووفقاً إلى إحصائية المركز الوطني للإحصاء بالسلطنة لعام 2022م فإن جرائم المخدرات بلغت 2994 جريمة كان غالبيتهم من العمانيين والنسبة الأكبر كانت للذكور بنسبة بلغت 2091 مقارنة بعدد الإناث التي بلغت 24 حالة فقط، وفي المقابل بلغت نسبة عدد الجرائم التي حصلت من قبل الوافدين 879 وكان أيضاً النصيب الأكبر للذكور بنسبة بلغت 852 ذكرا و27 أنثى.
وكانت نسبة تعاطي المسكرات والخمور في المجمل أقل من جرائم المخدرات وذلك بطبيعة الحال لا ينفي خطرهاـ حيث بلغت جرائم الخمور 342 جريمة شكل العمانيون فيها العدد الأكبر (342) وبفارق بسيط عن الوافدين والتي كانت (304).
العقوبة.. من السجن إلى الإعدام
تعدّ السلطنة من الدول التي تنبهت مبكراً إلى خطورة هذه الآفة، وكانت لها بصمة واضحة ضمن الدول التي تحارب تهريب وتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية أو الترويج لها.
وتبنَّت السلطنة خططاً ومشاريع وطنية، وعمدت إلى سنّ القوانين الرادعة لكلّ مَن تسوِّل له نفسه تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية أو الترويج لها أو بيعها وتعاطيها.
ويتضمن قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في سلطنة عمان، عقوبات صارمة لكل من المهربين والمتاجرين بالمخدرات، إذ تصل العقوبة إلى الإعدام أو السجن المؤبد، وفي حال قيام شخص بتعاطي المواد المخدِّرة فى السلطنة، فإن العقوبة هى السَّجن مدةً لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 500 ريال عماني ولا تزيد على 3 آلاف ريال عماني، لكلّ من حاز أو اشترى مواد مخدرة بقصد الاستعمال الشخصي.
آثار اجتماعية مدمرة
تقول إحدى النساء: تم سجن زوجي وبعدها اكتشفت أن زوجي مدمن فقد عانيت الكثير من زوجي المدمن (سويت كل شي أقدر عليه)، لأننا نحتاج إليه لنفسي كزوجة وأولادي يحتاجون إلى أبيهم، ابنتي في عمر الزواج من سيتقدم للزواج من ابنة أبوها مدمن مخدرات! هو مدمن وأيضا اثنين من أخوته مدمنين وأصدقاؤه مدمنون، تركت محافظة مسقط وهي مسقط رأسي وتوجهت إلى صحار، أخذت أولادي الخمسة معي عشنا ثلاثة سنوات بعيدا عن الأهل والأصدقاء، تابعت علاجه بنفسي وتكفلت بجميع المصاريف العلاجية، غيرت محيط البيئة والناس وابتعدنا عن كل شيء، ثم تفجأت بعد ثمانية سنوات أنه انتكس مرة ثانية، وهنا تبدأ المعاناة من جديد، هو مريض ويحتاجني وما أقدر اتخلى عنه هو أب أولادي الخمسة.
طريق التعافي
(نحن من الألم ننمو).. هذه الجملة تلخص قصة الشاب الذي هزم إدمان المخدرات وألهم الآخرين على قنوات التواصل الاجتماعي (أبو شبك).
بعد معاناة وإدمان المخدرات لمدة 15 عامًا، تحول أحمد عبد اللطيف الزدجالي ٣٣ عاما إلى مؤثر في قنوات التواصل الاجتماعي، وساعد الكثير لإعادة بناء حياتهم وكرس حياته لمساعدة الآخرين وأصبح مرجعا ودليلا يقصده الكثيرون، ولديه حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي وقناة في اليوتيوب لديه 3.67 ألف مشترك يحكي الزدجالي قصته مع الإدمان والمواقف التى واجتته في هذا الصدد.
وجه أحمد الزدجالي صرخة من هذا المنبر “نريد من الحكومية أن تسهل عملية استقبال المدمن ليش لازم المدمن ينتظر أشهر لين ما يجي الموعد ويشوفه الدكتور، المدمن يحتاج العلاج في أسرع وقت والدول المجاورة تستقبل المدمن وتعامله كمريض ما مجرم.”
يقول الزدجالي “نحتاج إلى دائرة خاصة للمخدرات وقسم نسائي وللأسف تصلني آلالف الرسائل يوميا من نساء مدمنات وأسئلة ماذا نفعل؟ كيف نتصرف ما هو الحل؟؟ ما عندنا مبالغ مالية”.
لا تملك الكثير من العائلات المال الكافي لعلاج أحد أفراد العائلة إذا كان مدمنا في المستشفيات الخاصة، إذ إن المكوث في هذه المستشفيات لأسبوعين على سبيل المثال يكلف حوالي 800 ريال عماني، وهي فقط مرحلة إخراج السموم (الديتوكس)، في حين أن المستشفيات الحكومية تعالج بشكل مجاني إلا أن كثر أعداد المدمنين يحتاج إلى زيادة في عدد الأطباء والمستشفيات التي توفر هذا الدعم الطبي والنفسي للمدمنين.
الإلهام والأمل
أحمد عبدالله البلوشي مرشد ومعالج الإدمان في مستشفى خاص بقصته الشخصية الملهمة ينقل لهم رسالة الأمل قائلا: “بعد التجربة المريرة وبعد معاناة 10 سنوات خسرت دراستي وظيفتي في جهة حكومية، واليوم أن أساعد الآخرين في علاج المدمنين، واليوم لا يكفي مستشفى واحد حكومي، نحتاج إلى مستشفيات ومراكز خاصة للإدمان، بل كل محافظة يجب أن يكون بها مركز أو مستشفى متخصص لمعالجة الإدمان، لأن أغلب المستشفيات الخاصة ربحية تستغل المدمن وأهالي المريض، فعلاج الإدمان ليس سهلا، وفترة العلاج تحتاج أكثر من ستة أشهر ويمكن للمدمن أن ينتكس إذا توقف العلاج”.
ويضيف: “في يومنا هذا يكون الأهل بين ناري الانتظار أو الهلاك حتى بعد الانتظار ستة أشهر لن تحصل على سرير فاضي! تصور تنتظر ستة أشهر وبعد كل هذا الانتظار ما تحصل سرير شاغر بسبب زيادة عدد المدمنين وكثرة المواعيد، مريض الإدمان يحتاج إلى علاج سريع واهتمام خاص وفوري”.
بين المستشفيات الخاصة والحكومية
يحكي معاذ الزدجالي تجربة علاج شقيقه قائلا: “قمنا بعلاج أخي في مستشفى خاص لأول مرة بمبلغ قدره 850 ريالا وهي فقط مرحلة إخراج السموم من الجسم المدمن مع البقاء في المستشفى لمدة سبعة أيام متتتالية، وبعد أسبوع سرعان ما انتكس مرة ثانية وأسرعنا به إلى مستشفى حكومي ولكن الصدمة الكبرى أن أقرب موعد بعد 3 أشهر، وللأسف لم يتم الكشف عليه ولم يعطى مهدئ حتى، وهو يصارع الموت وصوت أنينه والصراخ والألم مؤلم، ما زلت أتذكر تلك اللحظة إلى الآن لم ننم تلك لليلة من صوت صراخه، فقد أسرعنا إلى مستشفى خاص لعلاجه مرة ثانية ودخلنا في مرحلة إخراج السموم مرة ثانية، لا نستطيع أن نتركه يضيع من أيدينا، دفعنا 850 ريالا فقط مرحلة إخراج السمو مرة أخرى، وللمرة الثالثة انتكس وأخبرناهم فقط أنه يريد الأدويه ولا يريد البقاء في المستشفى الخاص، توجهنا إلى عيادة خاصة للإدمان وتم الكشف عن نسبة الادمان في جسمه وأعطي مجموعة من الأدوية وهي غير مصرح بها إلا بإذن من الطبيب، ودفعنا 400 ريال عماني.
ويتابع: “أيضا للمرة الرابعة انتكست حالته وهذي المرة استعنا برجل لديه خبرة في مجال المخدرات ساعدنا كثيرا، وكان مصدرا ومرجعا لنا للذهاب إلى الخارج لمعالجته في إحدى دول المتخصصة في علاج الإدمان، وقد كلفنا الأمر الكثير من المال وتكفلت والدتي بدفع المستحقات المالية والتي تجاوزت خمسة آلاف ريال عماني لمدة سنة كاملة، والحمدالله الآن أصبح مدمن متعافي وحاليا يبحث عن العمل ليبدأ حياة جديدة”.
من الألم إلى الأمل للآخرين
عبد الله نديم البلوشي يعمل في مستشفى خاص يقول: “أخي الله يرحمه كان مدمن وتوفى بسبب المخدرات، كنا نعاني من مشكلة الإدمان ما عارفين كيف نتصرف مع أخوي المدمن، وقرر والدي بعدها أن يقوم بفتح مستشفى الأمل متخصص بعلاج الإدمان في ولاية الرستاق، ومن خلال خبرتي في مجال علاج الإدمان ما يقارب من 7 سنوات وتعاملي مع المدمنين ومدمنين متعافين، ينقسم مرض الإدمان إلى علاج نفسي وجسدي، وعلاج الإدمان يحتاج إلى وقت كاف فعلاجه يكون متكاملا نفسيا وجسديا وعقليا، وأيضا العلاج الدولي المعترف به هو علاج NA ويحتاج إلى دعم من المجمتع، وهذا يعتمد على الشخص بنفسه والانتكاسات تحدث من الشخص بنفسه، والسنة الماضية تم علاج 500 مدمن متعافي في المستشفى الأمل”.
ويوضح محمد شكير غزالة مدير إداري أن مراحل العلاج بالمستشفى الخاص هي: زيارة الطبيب لتشخيص الحالة وتقيمها طبيا وتحديد الخطة العلاجية المناسبة للمريض، برنامج العلاج تستلزم إقامة المريض بالمستشفى فترة أسبوعين على الاقل لسحب السموم وبعد ذلك برنامج التأهيل فترة من ثلاثة إلى 6 أشهر حسب برنامج العلاج المحدد وحسب تجاوب المريض، ومن ثم يدخل في برنامج متابعة علاجية بعدها العلاج لمدة تتراوح مابين ستة إلى 8 أشهر مع متابعة استثنائية”.
ويشير إلى أن تكلفة العلاج في المستشفيات الخاصة مكلفة جدا، ولذلك يكتفي الكثيرون بمرحلة سحب السموم من الجسم دون استكمال باقي المراحل، وهو ما يتسبب في انتكاسة المريض مرة أخرى.
المصادر: