سارة هديب الجابري، باحثة ماجستير في القانون الجزائي جامعة السلطان قابوس
مما لا شك فيه ارتباط جريمة غسل الأموال بجريمة تمويل الإرهاب وهو مما يمكن ملاحظته بسهولة، فالربط بين الجريمتين لا يقبل التجزئة نظراً لأن إحداهما أثر للأخرى ومما يؤكد ذلك أن المشرع العماني نظّم كلا الجريمتين ذات القانون وهو قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (30\2016)، وكذا الحال بالنسبة للعديد من الدول والاتفاقيات التي تعنى بتنظيم الجريمتين معاً كاتفاقية فيينا لعام 1988م واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لعام 2000م (اتفاقية باليرمو). وفي بداية الأمر سوف نوضّح مفهوم كلا الجريمين على حده ومن ثم أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما.
فبالنسبة لجريمة غسل الأموال فإنها مجموعة من العمليات المالية المعقدة والمتداخلة هدفها إخفاء المصدر غير المشروع للأموال أياً كان وإظهار هذه الأموال في صورة أموال مشروعة أو متحصلة من مصدر مشروع، ويعرّفها الاقتصاديون بأنها مجموعة الأنشطة والمعاملات الخفية التي ترمي إلى تغيير صفة عدم المشروعية عن المال الذي تم اكتسابه بطرق غير قانونية وغير مشروعة.
أما جريمة تمويل الإرهاب فهي وفقاً للمادة (8) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب العماني السابق ذكره والتي نصّت على أنه “يعد مرتكباً لجريمة تمويل الإرهاب كل شخص يقوم بإرادته وبأي وسيلة كانت بتقديم أو جمع الأموال، بصورة مباشرة او غير مباشرة، مع علمه بأنها ستستخدم كلياً أو جزئياً لارتكاب فعل إرهابي أو من قبل شخص إرهابي أو منظمة إرهابية …”.
فعلاقة جريمة غسل الأموال بجريمة غسل الإرهاب تظهر جلياً من خلال ما سبق ذكره، بالإضافة إلى ذلك فإن جهود مكافحة تمويل الإرهاب تتطلب من الدول التوسع في نطاق إطار مكافحة غسل الأموال، فكلا الجريمتين تهددان الأمن والاستقرار المالي والاقتصادي العالمي.
وعلى الرغم من ارتباطهما إلا أنهما لا يلتقيان في بعض المسائل حيث أن هناك بعض أوجه الاختلاف بينهما، وعليه سوف نوضّح نقاط التداخل ومن ثم نقاط الاختلاف وذلك على النحو الآتي:
أولاً: التشابه والاتفاق بين جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب:
كلا الجريمتين من الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية وهما أيضاً من الجرائم الدولية التي تخلّف آثاراً ضارّة على الاقتصادين الوطني والعالمي، كما أن الأسلوب المستخدم لتنفيذ الجريمتين واحد فالفاعلون غالباً ما يستخدمون القطاع البنكي والمالي والمصرفي كقناة لنقل الأموال، بالإضافة إلى ذلك فإن العمليات التي يقومون بها سواء في جريمة غسل الأموال أم في جريمة تمويل الإرهاب خفية ولا يظهرونها للعلن، وفي صدد الحديث عن أوجه الاتفاق بينهما تجب الإشارة إلى أن لكل الجريمتين ذات المراحل فتبدأ بمرحلة التوظيف وهي إيداع المال مبدئياً في النظام المصرفي، مروراً بمرحلة التغطية والمتمثلة في نقل أو تحويل شكل الأموال في سبيل إخفاء مصدرها غير المشروع ومن ثم تأتي مرحلة الإدماج وهي التي تتحول فيها الأموال غير المشروعة إلى أموال مشروعة، بيد أننا يجب أن نشير إلى أن جريمة تمويل الإرهاب مرحلتها الأخيرة تكون بتوزيع الأموال على المنظمات الإرهابية.
ثانياً: الاختلاف بين جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب:
كما تم توضيحه بعالية فإنه على الرغم من التقاء الجريمتين وارتباطهما ارتباطاً لا يقبل الفصل فإنهما يختلفان في عدة أوجه نذكرها تباعاً:
- البنيان القانوني للجريمة: الركن المادي في جريمة غسل الأموال يقوم على التصرف في الأموال غير المشروعة لإخفاء وتمويه مصدرها، بينما الركن المادي في جريمة تمويل الإرهاب يقوم على تقديم وتوفير الدعم بأي وسيلة كانت للإرهابيين من أجل تنفيذ مخططاتهم.
- القصد الجنائي: في جريمة غسل الأموال يتطلب ركنها المعنوي القصد العام إضافة إلى القصد الخاص، أما جريمة تمويل الإرهاب فيكفي لتحقق الركن المعنوي فيها القصد الجنائي العام -بعنصريه العلم والإرادة- فقط.
- مصدر الأموال المستخدمة: في جريمة غسل الأموال دائما ما يكون مصدرها غير مشروع وبعد الغسل تكتسب هذه الأموال صفة الشرعية، بخلاف جريمة تمويل الإرهاب فهي غالباً أموال من مصدر مشروع وتصبح غير ذلك بالاستخدام وقد يكون مصدرها غير مشروع أيضاً.
- الدافع (الهدف) من ارتكاب الجريمة: جريمة غسل الأموال هدفها مادي بحت يتمثل في الاستفادة من الأموال المغسولة والتعامل بها على أساس أن مصدرها مشروع، بينما في جريمة تمويل الإرهاب فإن هدفها إيديولوجي يتمثل في الدفاع عن معتقد ديني أو مبدأ سياسي عن طريق إثارة الذعر وعدم الاستقرار وعليه فإن المال في هذه الجريمة يعتبر وسيلة من أجل تحقيق هدف آخر.
- العمليات المستخدمة: في جريمة غسل الأموال العمليات معقدة ومركبة وكثيرة بهدف تمويه وإخفاء مصدرها غير المشروع، أما في جريمة تمويل الإرهاب فإنها عادة ما تكون بسيطة وغير متداخلة.
- وجود شرط سابق لقيام الجريمة: جريمة غسل الأموال يشترط وجود شرط سابق لقيامها وهو وجود جريمة أولية، بينما جريمة تمويل الإرهاب لا تشترط ذلك بل إنها تقترن بجريمة لاحقة وهي الجريمة الإرهابية.
- النتيجة الجرمية: نتيجة جريمة غسل الأموال إضفاء صفة المشروعية على المال المغسول حتى يتم استخدامها وهي مشروعة، بخلاف جريمة تمويل الإرهاب فإن نتيجتها هي تمكين الجماعات الإرهابية بتوفير الدعم المادي لها حتى تتمكن من القيام بعملها.
وعلى هدي ما تقدم نرى بأن جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب على الرغم من اقترانهما وارتباطهما إلا أن هناك الكثير من نقاط الاختلاف بينهما كما تم توضيحه أعلاه فيجب عدم الخلط بينهما ومعرفة الفروقات بشكل واضح، كما نرى ضرورة بذل الجهود من أجل مكافحة وقمع كلا الجريمتين لما لهما من تأثير سلبي ضار على المجتمعات والاقتصادين الوطني والعالمي.