د. ناصر بن سعيد العتيقي
معلومات الكتاب:
الكاتبة / د. سعيدة بنت خاطر الفارسية – الطبعة الأولى 2024 م – إصدار الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع الآن ناشرون وموزعون – عدد الصفحات 95 صفحة، يتكون الكتاب من تمهيد وفصلين. – نوع الكتاب: دراسة بحثية أدبية.
بين سطور الكتاب
كما يظهر من عنوانه، تحاول الباحثة والكاتبة والشاعرة والأديبة الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية، الإجابة على عدة أسئلة في الكتاب عن الشاعرة سليمة بنت غفيل، وقد عنونت الكتاب “الأسطورة سليمة بنت غفيل ..” للإشارة إلى أننا أمام تعريف بسيرة ذاتية لشخصية أشبه بما تكون أسطورة في مجال الشعر الشعبي العماني، ليس بسبب ندرة دخول النساء العمانيات في مجال الشعر الشعبي وشعر الميدان بالذات، ولكن لعدم وجود تعريف وتوثيق موثوق باسم الشاعرة سليمة بنت غفيل وسيرتها الذاتية والفترة الزمنية التي عاشتها، فهذه الشخصية يكاد لا يعرف لها تاريخ للولادة أو الوفاة أو الفترة التي عاشت فيها ولا يمكن حتى تحديد القرن الذي عاشته، وإن أمكن معرفة قبيلتها أنها مسكريه وأنها من خلال أشعارها المتداولة كانت من سكان شمال الشرقية، وتنقلت بين مناطق عمان وولاياتها الشرقية والباطنة ومسقط، كما أوردت هي نفسها في أشعارها الشعبية المتداولة.
تجزم الدكتورة سعيدة بعد رحلة بحث طويلة أن سليمة بنت غفيل المسكرية تكاد تكون شاعرة حقيقية عاشت في مدن ومناطق معينه، وفي نفس الوقت هي أسطورة متخيله ووهم متخيل لعدم وجود معلومات أكيدة عنها، وتسرد الدكتورة الباحثة حكاية حصولها على شخصية باسم سليمة بنت غفيل كانت تقيم في بلاد صور وتوفت في العام 2011م، ولكنها بعد ذلك تأكدت أنها ليست هي الشاعرة المقصودة لأن ابنة هذه الشاعرة سردت معلومات مختلفة جدا عن المتداول والمعروف عن سليمة بنت غفيل الشاعرة الشعبية فهذه المرأة لا يربطها بسليمة بنت غفيل الشاعرة سوى اسمها الأول والثاني حيث تختلف القبيلة، وأيضا تختلف في كونها لم تطرق شعر الميدان، وهي شاعرة مقلة أكثر شعرها في الشعر الغنائي المعروف بتشحشح.
هنا رجعت باحثتنا إلى مربعها الأول حول حقيقة وجود سليمة بنت غفيل من عدمها، وتُحِيلنا بعد ذلك في رحلتها البحثية إلى مصدر مهم هي الموسوعة العمانية التي أوردت أن الشاعرة سليمة بنت غفيل تسمى سليمة بنت غفيل بن سالم المسكرية وعاشت هذه الشخصية خلال الفترة من ( 1868-1954م).
هنا تتوقف الدكتورة سعيدة كثيرا عند هذه المعلومة لسبب مهم وهو أنها معلومة من مصدر وحيد غير مؤكد، وتؤكد أن كل مصادرها المقروءة والمروية لم يرد فيها اسم جد الشاعرة ولا الفترة الزمنية لها فمن أين لكاتب المعلومة في الموسوعة هذه المعلومات؟
وتقول الدكتورة بالحرف: “هذه أول مره نقرأ أو نسمع تحديداً دقيقا لتواريخ ولادة ووفاة الشخصية فمن أين جاء بهذه الدقة المتناهية ومن هي بنت غفيل ومن يعرف متى ولدت بالتحديد القاطع وعمان كلها أو معظم مواليدها إذا استثنينا البعض منها لم يحدد تاريخ ولادتهم إلا في عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله”، وهنا تحلل الدكتورة هذه المعلومة وتستغرب ايرادها في مصدر مهم ورسمي مثل الموسوعة العمانية والأهم، من هو كاتب المعلومة في الموسوعة؟ وماهي مصادره التي اعتمد عليها؟ ولم توجد في أي مصادر أخرى؟ وبالتالي فهي تنفي صحة ودقة هذه المعلومة رغم ورودها في مصدر رسمي مهم.
ولعلي هنا ككاتب وكباحث في التاريخ وكقارئ لعدد من الموسوعات العمانية أؤيد ما تشير إليه الدكتورة سعيدة عن أهمية الموسوعات كمصدر رسمي ومهم للمعلومات ولكن المنهجية المستخدمة في توثيق المعلومات في الموسوعات فيها نظر فكيف يمكن التأكد من دقة معلوماتها ومصادرها إن لم تورد فيها هوامش تبين كاتب هذه المعلومة ومصادره، ولعل قائل يقول أن نظام الموسوعات هكذا هو لا يورد اسم الكاتب ولا مصدر معلوماته ، وهذا فيه ثغرة وضعف للموسوعة بأكملها إن لم يعطى كٌتّابها حقهم في استخدام وتوثيق معلوماتهم التوثيق العلمي الدقيق كونهم كتاب لهذه المعلومات النادرة مع تأييدها بالمصادر التي اعتمدوا عليها، لتبنى عليها معلومات وحقائق أخرى.
ولهذا فمن التطوير اللازم لجميع الموسوعات العمانية خصوصا الرسمية منها هو الزام المحررين بتوثيق كل معلومات الموسوعة بالطرق المنهجية للبحوث العلمية لتكون لها المصداقية المهمة لكل الباحثين في جميع المجالات التي يمكن الاعتماد عليها في جميع الدراسات والأعمال.
وبالعودة إلى كتابنا الشيق حول الأسطورة سليمة بنت غفيل تورد الدكتورة سعيدة نماذج من أشعار الأسطورة سليمة بنت غفيل والمصادر الأخرى التي ورد فيها ذكرها وذكر نماذج من أشعارها ونشير هنا إلى أن الدكتورة سعيدة الشاعرة والباحثة والأديبة تثمن شعر بنت غفيل لتقول: “الحقيقة أن أشعار بنت غفيل ترسم لنا ملامح تلك الشخصية النادرة في النساء إبداعا وتفننا وذكاء ومهارة وصلابة شعرية وشجاعة قولية،…. والخلاصة أن هذه المرأة لو كانت شاعرة بالفصحى لما قلت شهرتها عن شهرة أكبر شعراء العربية”.
وتتطرق الباحثة إلى جزء غير محمود في شعر الشاعرة سليمة بنت غفيل حيث انها تخصصت في الشعر الشعبي وخصوصا شعر الميدان ولكن كما تقول الدكتورة سعيدة: “كانت لها مساجلات مع رجال لكن معانيهم سيئة ومخجلة ما تنفع تكتب وتحفظ في كتاب، والمساجلات هذه كفن زينة وجميلة لكن كمعنى خارج وسيء لهذا أعتذر عن سردها”.
ومن خلال تطرقها إلى سيرتها الذاتية وعلاقاتها بالشعراء والمساجلين لها يتبين أن لها سيرة غير محمودة أيضا، ولعل هذه السيرة وهذه الأشعار قد ساهمت في عدم توثيق شعرها وسيرتها الذاتية فكما ترفعت الدكتورة سعيدة عن ذكرها ترفع الكتاب الشعراء المعاصرون لها عن توثيق سيرتها وذكر بعض شعرها الفاحش.
ولعل المصدر الوحيد الذي تميل الدكتورة سعيدة الى تصديق معلوماته كونه من كبار السن وكون ما أورده يتطابق مع باحثين اخرين ويتعارض مع المعلومات المذكورة بلا مصدر، وكونه أيضا لم يشر إلى أنه عايش الشاعرة الأسطورة التي تفرق دمها وشعرها بين الشعراء والرواة فأصبحت أشعارها أسطورة متناقلة عبر الأجيال ، البعض يصدق وجودها كحقيقة والبعض يشكك في حقيقة وجودها وحقيقة ما يروى عنها من أشعار، ولكن الكل يؤكد أنها ايقونة الشعر الشعبي النسائي العماني ، ومن خلال تحليلها لشعر بنت غفيل تؤكد الباحثة سعيدة خاطر أن هذه شاعرة حقيقة وليست أسطورة وهمية حيث تؤكد الأنوثة في شعرها رغم جرأته ، وتضيف الدكتورة في نهاية بحثها قائلة: “هل تتكرر مقولة الفيلسوف الألماني نيتشه، مع بنت غفيل حقا” لا توجد حقيقة وإنما تأويلات متعددة ” أجدني في الختام أقول إنها حقا أسطورة من الأساطير المدهشة في التراث الشعري الشعبي النسائي العماني”.
ختاما نقول لعل من المؤكد أنه لا يوجد إصدار يحوي ديوان قصائد لسليمة بنت غفيل، ورغم أن الدكتورة سعيدة معجبه بشعرها ولكنها كانت مقلة في عدد القصائد التي أوردتها في الكتاب قد يرجع ذلك لكونها دراسة تحليلية نقدية وليست ديوان بحد ذاته أو لعدم رغبتها في تكرار ما هو منشور بالفعل من قصائدها ، ولكن بصفة عامة الدكتورة دائما ما تدهشنا وتمتعنا باختياراتها وبحوثها الأدبية الممتعة من الشعر الشعبي والشعر الفصيح، الذي يعتبر مصدرا مهما من مصادر التاريخ الاجتماعي العماني.