بدر بن سالم العبري
“في القرن الخامس عشر الميلادي كانت الكنيسة الكاثوليكيّة في الغرب مسيطرة على النّاحية السّياسيّة والدّينيّة من خلال البابوات والبطاركة، ففرضوا سيطرتهم على الشّعب، وغيّب الشّعب عقليّا، فخرجت تعاليم فاسدة من الكنيسة لأجل مصلحة البابوات والبطاركة مثل محاكم التّفتيش وصكوك الغفران، هنا ظهر مارتن لوثر [ت 1546م]، وكان يدّرس اللّاهوت في جامعات ألمانيا، وأدرك جيّدا التّعاليم المسيحيّة، وقرأ آية في الكتاب المقدّس الّتي غيّرت فكره وحياته، وهي: “أمّا البار فبالإيمان يحيا، وإن ارتدّ لا تسّر به نفسي” [الرّسالة إلى العبرانيين، إصحاح 10، آية 38]، وأدرك أنّ البار يحيا بالإيمان وليس بصكوك الغفران ولا محاكم التّفتيش، فقام بنشر هذا الفكر، وكتب تسعا وتسعين اعتراضا على الكنيسة، وعلّقها على باب كنيسة القدّيس بطرس، من هنا جاءت كلمة البروتستانت أي الاعتراضات، ولاقى صعوبات شديدة من القيادة الكنسيّة، فحكموا بهرطقته وإهدار دمه، إلّا أنّ الامبراطور حماه، فبدأ له أتباع يقرأون الكتاب المقدّس، ويدركون التّعاليم الصّحيحة، حيث قام بترجمة الكتاب المقدّس إلى لغة يفهمها النّاس، وهو لم يرد إنشاء طائفة جديدة، وإنّما كان يريد الإصلاح، وبسبب رفضهم له انتشرت تعاليمه”[1].
“ومن مبادئ الإصلاح عند مارتن لوثر: الكتاب المقدس وحده، المسيح وحده، الإيمان وحده، النّعمة وحدها، المجد لله وحده، فالكثير من الكاثوليك في نظره كانوا يحملون كتابين: الكتاب التّأريخي والكتاب المقدّس، ومارتن لوثر رفض الكتاب التّأريخي، وتقيّد بالكتاب المقدّس، واعتبره المقدّم على التّقاليد، وهو الأصل في فهم الكتب الأخرى والتّعامل معها”[2].
“وأهم الخلافات بين اللّوثرية والكاثوليك أنّ اللّوثريين يرون أنّ الكنيسة يمثلها فقط الله والمسيح، والكاثوليك يرون أنّ الّذي يمثلها البابا الموجود في روما، والكاثوليك في جملتهم لا يجيزون زواج القساوسة من الرّجال والنّساء خلاف الموارنة من الكاثوليك، وأمّا اللّوثريون فيتزوجون ويطلّقون”[3].
وعموما اللّوثريون لا يختلفون عن الكاثوليك من حيث المعتقد، ويؤمنون بالأسرار السّبعة، كانوا لوثريين أرثوذكس أم لبراليين، وعليه يتفقون معهم في الصّيام الّذي تحدّثنا عنه في الحلقة الماضية، فعندهم صوم الأربعين في ستّة أسابيع، فيصومون عن اللّحوم والمنتجات الحيوانيّة من منتصف اللّيل حتّى ظهر يوم الثّانيّ، كما عندهم صوم يوميّ الأربعاء والجمعة، كما يوجد عندهم أسبوع الرّماد أي التّوبة، ويسبق صوم الأربعين، ويرسمون على جبين التّائب صليبا بمزيج من الرّماد والزّيت أو الماء، لكنّهم لا يتوسعون في الصّيام المندوب، أو من الدّرجة الثّانية.
[1] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 148 – 185. بتصرّف بسيط. من خلال اللّقاء مع القسّ المشيحيّ هاني عزيز.
[2] نفسه، ص: 277. من خلال اللّقاء مع القسّ اللّوثريّ اللّيبراليّ روسيل.
[3] نفسه، ص: 277 – 278.