مسقط- شؤون عمانية
تُعد لجان التوفيق والمصالحة ركيزة أساسية لتحقيق الصُلح والعدل بين أفراد المجتمع العُماني، فهي تعكس روح الإخاء التي دعاء إليها الإسلام.
وقال الدكتور إبراهيم بن سليمان العميري مدير دائرة التوفيق والمصالحة بمسقط، إن لجان التوفيق والمصالحة بكونها قد أُنشئت بموجب المرسوم السلطاني رقم (98/2005)، وتختص بتسوية النزاع بين الأطراف -قبل إقامة الدعوى بشأنه إلى القضاء- بطريقة الصلح بين أطرافه سواء كان موضوع النزاع مدنيًا أو تجاريًا أو متعلقًا بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية، وتتبع هذه اللجان المحافظات بعد أن كانت تابعة لوزارة العدل.
وأضاف تشرف محافظة مسقط على أربعة لجان للتوفيق والمصالحة وهي: لجنة التوفيق والمصالحة بالسيب، ولجنة التوفيق والمصالحة بمسقط وتشرف على ثلاث ولايات وهي مسقط، مطرح، بوشر، ولجنة التوفيق والمصالحة بالعامرات، ولجنة التوفيق والمصالحة بقريات.
اليُسر وسرعة الإنجاز
وحول دور هذه اللجان في تسوية النزاعات، يوضح مدير دائرة التوفيق والمصالحة بمسقط أن هذه اللجان تتمتع بالعديد من المزايا كسرعة إنجاز المعاملات لكونها مقيدة حسب القانون بمدة محددة، حيث نصت المادة الحادية عشر بإلزام اللجنة إنهاء إجراءات التسوية خلال ستين يومًا على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، ويجوز تمديدها لثلاثين يومًا مما يعني وجوب إنهاء التسوية في المدة المحددة، وبهذا لا تتراكم الطلبات أمام اللجنة.
وتابع: كما أن التسجيل فيها لا يتطلب دفع رسوم ولا يلزم وجود محام فيه، ودون التقيد بأحكام قانون الإجراءات المدنية والتجارية أو قانون المحاماة، والذي أتاح للجنة مساحة كافية من الإجراءات الميسرة لإتمام الطلب وإعلان الأطراف ومواعيد الجلسات ومكان انعقادها حيث يتم تقديم الطلب من ذوي الشأن، ويحدد على أثره موعد للجلسة ويتم التواصل مع المتصالح معه بالطريقة التي يراها رئيس اللجنة الأنسب لإعلان المتصالح معه. كما تضمِن اللجان السرية والخصوصية، وسهولة تنفيذ محاضر الصلح عن طريق تذييلها بالصيغة التنفيذية.
نسب تسوية النزاعات في ولايات محافظة مسقط
وشهدت لجان التوفيق والمصالحة نجاحًا ملحوظًا في تخفيف العبء عن النظام القضائي، حيث يوضح مدير دائرة التوفيق والمصالحة بمسقط عددا من الإحصائيات الصادرة عن لجان التوفيق والمصالحة بمختلف ولايات محافظة مسقط لعام 2023م، فإنه تمت تسوية ما نسبة 94.6٪ من إجمالي 1294 نزاع بلجنة مسقط (وتشمل ولايات مسقط ومطرح وبوشر). وفي ولاية العامرات، بلغت نسبة التسوية 89.4٪ من إجمالي النزاعات المنظورة والتي بلغ عددها921. أما في ولاية السيب، فقد تم تسوية 88.1٪ من أصل1731 نزاع منظور، وعلى صعيد قريات، تم تقديم 169 نزاعًا وتم تسوية 97٪ منها.
الصلح: أركانه وشروطه
وقال: لا يستقيم الصلح إلا بثلاثة أركان وهي: الرضا، ويقصد به رضا أطراف الصلح. والمحل، والمقصود به موضوع الالتزام الناشئ عن محضر الصلح. والسبب، وهو الباعث المباشر لمحضر الصلح.
وبهدف ضمان مشروعية وقانونية الصلح، هناك عدة شروط يجب توافرها في مقدمي طلب الصلح. أولًا، يجب على مقدم الصلح أن تكون له صفة قانونية تؤهله لتقديم الطلب، ثانيًا، يجب أن تكون هناك مصلحة مشروعة متوخاة من تقديم الطلب، ثالثًا، بأن يكون مقدم الطلب صاحب أهلية قانونية لتقديم طلبه.
جلسات الصلح
وتعقد لجان التوفيق والمصالحة جلساتها في جو هادئ يتسم بالبساطة والأريحية، حيث يشير مدير دائرة التوفيق والمصالحة بمسقط أن كل طرف يعرض مطالباته بدون تعقيد، وتستمع اللجنة للطرفين بصدر رحب وتحاورهم بعدالة ونزاهة، وتعرض عليهم الصلح الذي تراه مناسبًا، وقد يدخل فيها بعض المفاوضات، كما قد تتخللها جلسات انفرادية مستفرغة الوسع في الإقناع وقد يتنازل أحدهما أو كلاهما عن بعض مطالبه، رغبةً في الصلح ولتحقيق مصلحة عاجلة ، فإذا وافق الطرفان يحرر الصلح بينهما مباشرة ويوقع عليه الأطراف ومن حضر جلسة الصلح من الأعضاء في ذات الجلسة، ويتسلم كل واحد منهم نسخته، وبذلك تنتهي الإجراءات في جلسة واحدة، وقد تؤجل الجلسة لموعد آخر لاستكمال المفاوضات، ولكن كل هذا لا يتعدى أسبوعًا أو أسبوعين، وقليلاً ما يزيد على ذلك.
الطلبات التي لا تسجل باللجنة
بالرغم من التسهيلات التي قدمتها الحكومة في إجراءات لجنة التوفيق والمصالحة، يوضع مدير دائرة التوفيق والمصالحة بمسقط الطلبات التي لا تنظر فيها لجان التوفيق والمصالحة والمتمثلة في: الطلبات الجزائية المتعلقة بإساءة الأمانة والسب والشتم، والطلب المتعلق بدعوى إدارية، كالطلبات المتعلقة بالنزاع الإداري مثل النقل التعسفي والفصل والعقوبات التأديبية، والطلب الصوري وهو ما كان في ظاهره الخصومة وفي باطنه اتفاق بين الطرفين لتحقيق هدف ليس من اختصاصات اللجنة.
وتستبعد اللجنة أيضًا الطلبات الكيدية، وهي التي يقوم فيها الفرد باللجوء إلى اللجنة بهدف تحقيق مصلحة شخصية بطرق غير مشروعة وبالتالي تعمد الإضرار بالطرف الآخر.
آثار التسوية على المجتمع
ويختتم: تعمل لجان التوفيق والمصالحة على تعزيز ثقافة الحوار والمصالحة بين الأفراد دون اللجوء إلى المحاكم، فهي توفر بيئة آمنة ومحايدة للأطراف المتنازعة للجلوس معًا وبحث الحلول التي تلبي احتياجاتهم وتطمئن قلوبهم، حيث تعد التسوية الودية والمصالحة بديلاً فعالًا للمسار القضائي التقليدي لفض بعض النزاعات، وتُشكل هذه اللجان نموذجًا يحتذى به للتعامل مع بعض القضايا وتحقيق التوافق والوئام بين أبناء المجتمع.