فارس بن جمعة الوهيبي
“أجهش العمانيون بالبكاء، وابْيضّت أعينهم من الحزن كاظمين، واغْرورقت أجفنهم من الأسى الطارق، والأرض واجفة تكاد تمور”، هكذا عبر صوت الوطن عبد الله بن سعيد الشعيلي إبان توديع عمان حضرةَ صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيب الله ثراه -، كتب تقريره المتلفز بقلب متفطر نازف، ولم يكن يعلم أنّ التقرير ذاته سيعاد كرّةً أخرى، وهو في مرقده عند مليك مقتدر في روض الجنان.
الشاب الذي يصنع الأخبار بزغ نجمه مبكرا، فحمل ناقل الصوت مراسلا تلفزيونيا منذ أن كان على مقاعد الدراسة بجامعة السلطان قابوس، ونظره أن يحجز مقعده في مدينة الإعلام المنتشية بالأحداث الوطنية في تسعينات القرن المنصرم، فتحقق الحلم بالالتحاق بدائرة الأخبار في تلفزيون سلطنة عمان محررا إخباريا.
وما هي إلا فترة وجيزة وأصبح صاحب القلم الوطني الرصين رئيسا لقسم الأخبار المحلية، فذاع صيته أمام قامات الإعلام في ذلك الوقت، يرون في نظراته إعلامي المستقبل، كيف لا وهو من رسمت حروفه أهمّ الأحداث ناقلا الصوت والصورة من مسندم شمالا إلى آخر نقطة في أرض اللبان.
صوت الوطن الراحل كلمح البصر، تدرج وظيفيا لنائب مدير الأخبار، فمدير الأخبار، ثم مديرا لاختيار البرامج، فمكلّفًا بمدير عام التلفزيون، ثم عُيّن رئيسًا للقطاع المرئي في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فمستشارًا إعلاميًا لوزير الإعلام.
وما بين ذلك من مسؤوليات وظيفية وإدارية عظيمة؛ لم يكن عمله الميداني خفيًا في الوطن، حيث ارتباط الصوت بمشهد الأعياد الوطنية، فعندما يصدح صوت الشعيلي تهتز معه المشاعر شيبًا وشبانًا، وقلمه الذي لا يشبه أحدا كان حاضرًا في كل مناسبة، يصوغ ذهب الكلمات لتبقى في ذاكرة كل عماني، مرصًعة في أرشيف وطن أحبه حتى النخاع، ومشاهد كثيرة لا تنسى وهو يقف في حضرة السلطان قابوس ممثلا لأبناء عمان في محافلهم المجيدة الغراء.
ومن كمثل عبد الله الشعيلي قارئا لأرقام الاقتصاد، وما كمثل برنامجه “رؤية اقتصادية” البرنامج الاقتصادي الأكثر قوة من كل الجوانب، محاورًا وضيوفًا ومواضيعَ تخصصية تتواكب مع كل المستجدات الوطنية ومشاريعها وأهدافها التنموية الاقتصادية، وخططها الاستراتيجية الخمسية، ورؤيتها المستقبلية.
عهدي لم يكن كثيرًا وطويلاً بالقامة الإعلامية القديرة، ولكن الذاكرة تعود عند لقائنا مصادفة في العبارة المتجهة إلى مسندم، حيث طلب مني الجلوس بجانبه، حينها كنت في بداية عملي في أخبار التلفزيون، مبديًا الأستاذ عبد الله إعجابه بالعمل المتحقق في صناعة التقارير، وفي كل مرة أشعر في لقائنا بأننا نعرف بعضنا أزمنةً طويلة.. ومن تلك الرحلة عبر العبارة، يدوي إلى مسامعي خبر الوفاة الصاعق وأنا في قطار الحرمين متجهًا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، فضاقت عليّ الأرض بما رحبت.
أحلام عبد الله الشعيلي وهو في بلدته المعمورة ببهلاء منتظرًا رفاقه ليتجهوا إلى مسقط العاصمة تحديدا نحو مدينة الإعلام لا تزال باقية لم تنتهِ، عاد إليها ليرقد في ترابها أبد الآبدين بعد حادث سير أليم أوجع أفئدة بيوت العمانيين الذين زارهم في مرات كثيرة عبر شاشة التلفزة.