فاطمة بنت ناصر
لطالما كان أهل غزة مقاومين شرسين أمام كل من يتعدى عليهم، وليست تلك المقاومة وليدة اليوم، ومن الأمثلة على ذلك، ما فعلوه حين زارهم وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل في عام 1921 م .
تشرشل ومؤتمر القاهرة 1921 م
قبل أن يزور غزة، كان وينستون تشرشل في القاهرة لحضور مؤتمر على مدى 10 أيام، ويعد هذا المؤتمر من أهم المؤتمرات التي أعادت تشكيل الاستعمار في الوطن العربي، فقد أطلق عليه: الأيام العشرة التي صنعت الشرق الأوسط.
تمت الدعوة للمؤتمر عقب الثورة العراقية ضد الانتداب البريطاني والتي تكبدت فيه بريطانيا خسائر كبيرة في الأرواح، أدت إلى ثوران في الداخل البريطاني مطالبين بلادهم بإنهاء الانتداب.
وكان تشرشل قد عين حديثا كوزير للمستعمرات البريطانية، وفور توليه عين الرحالة وعين بريطانيا في الأرض العربية (لورانس العرب) مستشارا خاصا له، وهذه بعض تفاصيل المؤتمر
مكان الانعقاد: فندق سيراميس القاهرة
فترة الانعقاد : 12 – 23 مارس 1921
حضور المؤتمر: ونستون تشرشل، هربرت صموئيل، والسير ساسون حسقيل، المارشال إدموند ألنبي، ووزير الدفاع العراقي جعفر العسكري، وت. س لورانس(لورانس العرب)، الميجور هيوبرت ينغ، المارشال الجوي سير هوف ترنتشارد، والمارشال الجوي سير جفري سالموند قائد الطيران في الشرق الأوسط، جفري فرانسيس أرتشر حاكم الصومال البريطاني.
هؤلاء هم من رسموا حدود دول الشرق الأوسط، ولم يكن بينهم سوى عربي واحد وهو وزير الدفاع العراقي جعفر العسكري.
ما خرج به المؤتمر
تقسيم أرض فلسطين إلى قسمين تحت حكم الأمير عبدالله (كمخطط مبدئي لمنح اليهود أحد القسمين)
تقسم جزء من الأراضي العثمانية لبلاد مابين النهرين لتشكيل دولة جديدة تسمى العراق ويحكمها الأمير فيصل.
تقسيم العراق لمناطق سنية وشيعية وكردية، وعدم منح الكرد دولة مستقلة بهم.
تشرشل في طريقه إلى القدس
بعد اختتام مؤتمر القاهرة، قرر تشرشل الذهاب إلى القدس لنقل نتائج المؤتمر للأمير عبدالله، ولكن الوصول إلى القدس لا يتحقق دون المرور بغزة، فمسار القطار يمر بها، وكان لابد أن تنغص فرحة تشرشل مظاهرات شديدة قام بها أهل غزة، حيث يذكر موقع الالكتروني الرسمي التابع لمؤسسة تشرشل الآتي:
كان هناك استقبالا كبيرا بانتظار وزير المستعمرات البريطاني تشرشل وكان الجمهور يحيون تشرشل قائلين: عاش الوزير عاشت بريطانيا، وكان قادة الجماهير يرددون أيضا: الهلاك لليهود والذبح.
ولقد قام أهالي غزة بإيصال رسالتهم مستغلين جهل تشرشل واتباعه بلغتهم، فقد ذكر موقع مؤسسة تشرشل صراحة:
كان تشرشل ومرافقيه سعداء بتحية الجماهير ولكنهم كانوا يجهلون بما تصرخ به حناجرهم! ولكن مرافقه لورانس العرب فهم ما قالوه ولكنه لم ينقل ذلك لتشرشل الذي صار بينهم ظانا أنهم يهللون له ولبريطانيا.
وتذكر الصحف الفلسطينية بعضا من أحداث تلك المظاهرات، فقد ذكرت صحيفة فلسطين بتاريخ 30 مارس 1921م :
كانت المظاهرة التي أقيمت في غزة يوم قدوم تشرشل إلى فلسطين من أعظم المظاهرات وأوقعها في النفس، وقد روى لنا القادمون من هناك أمورا يضيق عن ذكرها حجم هذه الجريدة كهتاف الناس بإسقاط وعد بلفور وإمساك البعض بثيابه وثياب المندوب السامي أثناء مرورهما واحتجاجهم وازدحامهم في طريقهما حتى كاد يتعذر عليهما المرور.
وحين استوعب تشرشل غضب الناس قال لأحد الخطباء: “أن بلفور كان مغمضا إحدى عينيه عندما وعد بما وعد ولكنه فتحها الآن”
استياء المندوب السامي
تذكر الصحيفة: أثارت مظاهرات أهل غزة ضد تشرشل غضب المندوب السامي البريطاني، حيث قام بعزل الحاكم وسجن ٤٠ شخصا، ولكن الأهالي تجمهروا حول السجن وأرادوا أن يسجنوا معهم، فأطلق سبيلهم.
شجرة لليهود ودولة لعبدالله
حين التقى تشرشل بالأمير عبدالله بشره بأنه سيحكم إمارة شرق الأردن و أن الأراضي الغربية لفلسطين وحتى نهر الأردن ستكون تحت الحكم البريطاني.
كما التقى تشرشل اليهود وعلى رأسهم كبير الخاحامات Abraham Isaac Kook والذي يعد مؤسس الصهيونية الدينية، وقد ألقى تشرشل خطابا أمام اليهود وزرع شجرة أمامهم في موقع شيد فيه لاحقا جامعة القدس بإسرائيل.
وقد قال في خطابه لهم:
“لطالما شعرت بتعاطف مع الصهيونية، وهذا التعاطف ليس وليد اليوم ولكنه سكنني منذ 12 عاما حين تعاملت وعاشرت يهود مانشستر. أنني أؤمن بأن تشييد دولة قومية لليهود سيحمل الخير للعالم أجمع، ولكل اليهود في شتى بقاع الأرض، وللملكة البريطانية على وجه الخصوص”.
لوحة تشرشل
ربما لا يعرف الكثير أنه بجانب كونه رساماً للخرائط السياسية، كان تشرشل رساماً محترفا وله العديد من اللوحات الجميلة، وحين وصل للقدس لفته منظر الغروب الجميل من أعلى جبل المشهد أو جبل الصوانة في القدس، وقد رسم هذه اللوحة
المصادر :
صحيفة فلسطين. عدد ٣٠ مارس ١٩٢١