فاطمة بنت ناصر
كلنا يعلم وعد بلفور لليهود في عام 1917م ، والذي أعلن فيه البريطانيون تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، ولكن ماذا نعرف عن وعد نابليون الذي أتى للمنطقة العربية في الفترة من (1799-1798) وتمكن من السيطرة على مصر، وحاول التوغل إلى سوريا، وهذا لم يحققه إلا بعبور غزة.
أتى نابليون إلى فلسطين ودخلها بمعارك ومقاومة شرسة، جعلته يحاول استمالة يهود الشرق لينضموا إلى حملته على فلسطين، وقد تمكن فعلا من الاستيلاء على غزة واللد والرملة ويافا، وحين حقق النصر في غزة مكث في قصر هناك سمي بقصر نابليون ولم يتغير اسمه إلا في عام 2010 م بعد استلام حماس للسلطة وغيرت اسمه الى قصر الباشا، الذي تحول إلى متحف.
ولكنه حين وصل عكا واجه مقاومة أحمد باشا ( الجزار) والذي تمكن من دحر جيشه وهزم نابليون عند أسوار عكا، وقد تغنى الشعراء طويلا بتلك الهزيمة، ومنها قصيدة البوصيري التي قال فيها:
قَدْ أخَذَ المُسْلِمُونَ عَكاً
وَأَشْبَعوا الكافِرِينَ صَكا
وساقَ سُلْطَانُنَا إلَيْهِمْ
خَيْلاً تَدُّكُّ الجِبَالَ دَكَّا
وَأَقْسَمَ التُّرْكُ مِنْذُ سارَتْ
لا تَرَكُوا لِلْفُرَنجِ مُلْكا
ولكن من المثير أن نذكر حادثة مهمة سبقت هزيمته في عكا، فنابليون كما نعلم قائد محنك يعرف تقييم القوة التي تواجهه، أدرك بسرعة قوة المقاومة التي ستواجهه في مهمته لاحتلال فلسطين، فقرر أن يدغدغ ويستميل اليهود خاصة يهود الشرق ليتحالفوا معه. فقد كتب إعلان يخاطب فيه اليهود مذكرا أياهم بما تعنيه أرض فلسطين فهي أرضهم الموعودة التي لم تسترد.
ولم يحقق الإعلان أهدافه فقد أقيمت الأسوار وقاوم الشعي ولقنه درسا لن ينساه، فقد ذكرت المصادر أنه قال بعد هزيمته في عكا: “لو تمكنت من هزيمة جزار * عكا أحمد باشا، لاستطعت أن أحتل دول المشرق كلها، لقد تحطمت أحلامي على أسوارك يا عكّا، سلام لا لقاء بعده”.
و على الرغم من أن الإعلان الذي دعا فيه نابليون اليهود بأن يهبوا لمساندته، لم يحقق أي استجابة تذكر من اليهود، لكنه خطاب غاية في الأهمية يوضح بجلاء رغبة القوى الدولية في استغلال المطالب اليهودية بأرض يقيمون فيها دولتهم الموعودة، وقلة من يعرفون أن هناك وعدا لليهود سبق وعد بلفور بأكثر من قرن من الزمان، وهنا نضع بين ايدكم الترجمة العربية لخطاب نابليون الموجه لليهود.
من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين.
أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط.
إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين. وإن لم تكن لهم مقدرة الأنبياء مثل إشعياء، ويوئيل، قد أدركوا ما تنبأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع أن عبيد الله “كلمة إسرائيل في اللغة العبرية تعني أسير الله أو عبد الله” سيعودون إلى صهيون وهم ينشدون، وسوف تعمهم السعادة حين يستعيدون مملكتهم دون خوف.
انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه، إن أمامكم حرباً مهولة يخوضها شعبكم، بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تقسم بينهم حسب أهوائهم، لا بد من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت نيران العبودية، وذلك الخزي الذي شل إرادتكم لألفي سنة.
إن الظروف لم تكن تسمح بإعلان مطالبكم أو التعبير عنها، بل إن هذه الظروف أرغمتكم على التخلي عن حقكم، ولهذا، فإن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، وبالرغم من شواهد اليأس والعجز.
إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل وراءه، قد اختار القدس مقراً لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة، التي استهانت طويلاً بمدينة داود وأذلتها.
يا ورثة فلسطين الشرعيين.. إن الأمة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء، فانهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال، الذين كان تحالفهم الأخوي شرفاً لأسبرطة وروما، وأن معاملة العبيد التي طالت ألفي سنة لم تفلح في قتل هذه الشجاعة.
سارعوا، إن هذه هي اللحظة المناسبة، التي قد لا تتكرر لآلاف السنين، للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين؛ وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي المطلق في عبادة إلهكم يهواه، طبقاً لعقيدتكم، وافعلوا ذلك في العلن وافعلوه إلى الأبد.
المصادر :
دائرة شؤون المغتربين/ منظمة التحرير الفلسطينية.
https://www.aldiwan.net/poem18146.html