منى بنت سالم المعولية
عجبًا لمن يخلط حابل الأمور بنابلها ويفصل حماس عن فلسطين، عجبًا لأولئك الذين قلبوا المعادلة في أفكارنا وجعلونا نخضع ونرضى بالخنوع، وأوهمونا أن المقاومة صاحبة الأرض والحق والدار هي المعتدية وأن مكافحتها فريضة، وشجبها واجب، واستنكارها إنسانية.
وما غابت الإنسانية وانسحقت إلا تحت أقدام الذين أداروا ظهورهم للقضية، وعابوا حماس وأدانوا هنية، أولئك الذين استطاعوا تحشيد عقول الأصنام والغنم وسمنوا القطيع وأمدوه بالعلف، فغدا العجز ديدنهم، والأراجيف والارتجاف ديمومتهم، فزينوا الشعارات وصوروها لنا ثقافة، وأوهمونا أن التغني بالعروبة هو مزايدة ومحاباة وتطرف، أولئك الذين جعلونا ننسلخ عن الهوية، فنشروا برغم أنوفنا هويتهم فاستوطنوننا وأطعناهم.
ربطوا حماس وفصائل المقاومة بالإرهاب! فهل اغتصبت حماس أرضاً غير أرضها؟ وهل ذهبت إليهم حماس أم أتوا إليها؟ هل تقاتل المقاومة خارج حدودها؟ وهل تبيد وتقتل غير عدوها؟.
كيف لشعبٍ أعزل منزوع السلاح أن يدافع عن نفسه، إن لم ينبري ويثور ويبتكر المقاومة ويستل السيف من غمده، ويؤمن أن الحرب خدعة وأن لكل فعل ردة فعل عكسه، وفي سبيل النصر والخلاص يجب أن ينقض ويثأر.
قوت في أرض العروبة شوكتهم، لأنهم اتبعوا مبدأ فرق تسد، فكنا أشتاتا كما أرادوا وأشلاءً كما خططوا وأصبحنا قوالب جاهزة، يصبون داخلها الغضب على بعضنا بعضا، متفرقين لا متحدين، حتى غدا بعضنا يخون، كلنا ننادي الحرية لفلسطين وتصد بوارجنا صواريخ تحريرها.
لم أشهد في حياتي جو كآبة عام كما عشته في هذا العام، أنام على صدى خبر قصف جديد وتصل مقاطع الإبادة إلى حلمي، وكأن السكينة تودعني وأنا في أحضان سرير دافىء، فكيف بأولئك الذين باتوا تحت ليل القصف وحطام المباني يطوون ظلام المشهد بالبحث عن قتلاهم، وقد ظنت الأرض عليهم حتى بالكفن.
نعم يا أيها الملثم لقد عجزنا -لا سمح الله – أن نصل إلى بركة الدم، عجزنا أن نوصل إليكم الماء والشاش والطعام ونصبنا لكم من أماكننا عزاءٌ ومأتم.
يا أبو عبيدة ليس لأننا لا نريد، وليس لأن القادة والساسة لا يريدون، بل لأن الوطن العربي مجزء ومشرذم، فإن امتدت يد قطعتها أخرى، وإن سعى قائد خانه الأخر.
أريد أن أختتم سردي بسطور إعجاب أبعثها إلى ذلك الملثم، ذلك المحنك الخطيب الذي استل زهور اللغة وزرعها في أذني كالرصاص، فعجز الكلام عن الكلام وتعجم.
يا أبا عبيدة رفقًا في خطابك بنا، فما تقوى قلوبنا عتبك، ولا رقة قلوبنا بنادق كلماتك.