منى بنت سالم المعولية
أحداث متنوعة ومثيرة حملها الأسبوع الماضي بين تفاصيله، انتهى الأسبوع وبقيت الأحداث تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.. نقاشات وتساؤلات وعبارات متداولة.
أخبار وصلتنا من قمة العشرين التي انعقدت في الهند، حول الاتفاقية التأسيسية بإنشاء ممر بحري بري يربط التجارة الهندية بموانئ برية وبحرية في الشرق الأوسط ومع الولايات المتحدة وصولا إلى أوروبا.
ولقد طفت ردات فعل العمانيين على سطح المواقع الافتراضية وتطبيقات التواصل، مستنكرة غياب الدقم عن تفاصيل خارطة الممر المذكور، ورأينا اسم الدقم يتصدر محركات البحث، متسائلين: كيف لممر كهذا تسقط من خارطته الدقم سهوا، وألا تكون الدقم ضمن الممرات التي تستخدمها السفن المحملة ببضائع موانئ بهارات أو الهند كما نعرفها.
لقد تغنى العمانيون بأفضلية الدقم وأمنها، وأهل مكة دائما أدرى بشعابها، وأهل سلطنة عمان أدرى بالدقم باعتبارها الخيار الآمن والممر السالم، وأنها مستودع السلام لكل بضاعات المنطقة.
وهذا الأمر حقيقة زادني شعورا بالفخر، فإن دل هذا الحراك والحديث وكل هذه الآراء الغيورة على مصالح عمان، فإنما تدل على الوعي الذي تشكل لدى أبناء عمان عن الدقم، لؤلؤة بحر العرب، وحول أهميتها الاقتصادية والإستراتيجية لسلطنة عمان وحول وجوب تواجدها كنقطة مرور هامة في الممر المزمع إنشائه.
ومن جانب آخر حازت زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية وما تحمله من رسائل عدة وحلول لتبعات سياسية، على اهتمام أبناء البلدين وتفاعلهم، وظهر التفاعل الكبير بعد انتشار خارطة أخرى تظهر فيها مسار التجارة بين المملكة وبين ميناء الدقم، وقد رحب الجميع بتلك الخارطة واتباع هذا المسار، وبدأ فيها الأخوة في المملكة العربية السعودية وكأنهم يؤيدون تغيير المسار ليكون مسار الدقم هو البديل عن أي مسار آخر، حيث اهتم الرأي العام السعودي بهذا الأمر.
إن اهتمام المختصين في المملكة وتفاعلهم كان إشارة واضحة إلى اقتناعهم بأهمية الدقم وموقعها الجيوسياسي بغض النظر عن أي جوانب أخرى.
وأعود للقول إن الخرائط التي انتشرت سواء كانت لممر التجارة الهندي والدول التي تضمنها، أو الآخر الذي يرسم مسار تبادل تجاري واتصال بحري مباشر بين سلطنة عمان والسعودية؛ إنما يبقى خارج إطار الرسمية والمشكوك ومجهول المصدر وغير معروف المنشأ، ولكن من المميز هذا الحراك والوعي العماني والمعرفة السعودية ورفع رصيد الدقم عاليا للتأكيد على أهمية الدقم.
ولايمكننا أن ننسى الجدل الذي حدث إبان إعلان طريق الحرير الصيني والذي كانت فيه الموانئ العمانية غائبة عن خرائطه، وفي ذات الوقت نستذكر مدى حساسية مثل هذه الممرات والمشاريع الدولية التي تمر بتغيرات جيواستراتيجية وتتبدل أوضاعها وفقا للعلاقات البينية بين الدول وارتباطها بالأمن الإقليمي وتأثرها بالصراعات السياسية والعسكرية، وأبرز مثال على ذلك تلك التأثيرات الهائلة التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية.
إن هذه الممرات هي أحلام استراتيجية كبرى تتربصها التحديات ويقلقها التعرقل والمصالح وتتجاذبها أهواء الساسة وميولهم، ومع ذلك لا يمكن الجزم أننا خارج إطار هذا الممر أو ذاك، لأن المشروع لم تتضح صورته النهائية، ولم يحدد مساره النهائي، ومازال قابلا للدراسة وإضافة المزيد من نقاط الارتكاز أو حذف أخرى.
إن ارتباط الأهمية الاقتصادية للدقم وموقعها الاستراتيجي بمشروع الهيدروجين الأخضر يجعلها ذات أهمية عالية ومصدا مهما ربما يفوق ذلك المتوقع من مشروع الممر الهندي.