خاص ـ شؤون عُمانية
تباينت الآراء حول بعض مواد قانون التعليم المدرسي الجديد، إلا أن عددا من المختصين ممن تحدثوا إلى “شؤون عمانية” أكدوا أن هذا القانون يواكب التطورات المحلية والعالمية سعيا نحو تطبيق منظومة تعليمية متكاملة، تستهدف تخريج أجيال قادرة على استكمال مسيرتها التعليمية العليا والمنافسة في سوق العمل.
وصدر قانون التعليم المدرسي الجديد بموجب المرسوم السلطاني رقم 31 /2023، وسط حالة ترقب من جميع أطراف العملية التعليمية لتطبيق مواده التي تضمنت بعض العقوبات.
ويقول الدكتور تركي النافعي، تربوي ومهتم بالبحث العلمي، إن المتتبع لمراحل تطوير التعليم بالسلطنة يجد أن هناك ثباتا في الأسس المنهجية للتعليم مع بعض الإضافات البسيطة، كإضافة منهج كامبريدج في السنوات الثلاثة الماضية والذي انطلق من الصف التاسع ليصل طلبة دبلوم التعليم العام في السنة المقبلة واختبارات منهج كامبريدج كدفعة أولى، موضحا “القانون الجديد يواكب تطورات التعليم التقني على سبيل المثال، لكن أثناء التطبيق قد نواجه تحديات مثل توفر الإنترنت وأجهزة الحاسب الآلي في المدارس”.
ويضيف: ركزت المادة العاشرة على منهجية البحث العلمي، ولكننا نجد بأن المختبرات المدرسية لا تتوفر بها الأدوات اللازمة المساندة للطلبة في أجراء البحوث العلمية، كما لا يوجد منهج بحث علمي يدرس في المراحل الدراسية، فكيف يتم تطبيق ذلك دون منهج معرفي لدى الطلبة حول البحث العلمي وأسسه العلمية، أما فيما يخص المادة الـ11 فالمتتبع لإنجازات الطلبة على المستوى العالمي يجد بأن السلطنة تتفوق على كثير من الدول في هذا الجانب، إلا إن معوقات رعاية الطلبة بعد تحقيق الإنجازات تنعدم بسبب عدم وجود شركات من القطاع الخاص تدعم الابتكارات والاختراعات العلمية، وهذا ما ركزت عليه المادة الـ13 حتى لا ينتهي المطاف بإبداعات طلبة سلطنة عمان في خزائن أوراق الوزارة، كما أن المادة 45 ركزت على جانب الصحة البدنية والنفسية لما لها من أثر واضح على تحسين مستوى الطلبة، ولذلك ينبغي العمل على توفير الصالات الرياضية والملاعب داخل المدرسة بالإضافة إلى تشجير المدارس”.
وتشير المحامية نعيمة السعدية إلى أن المادة (91) نصت على أنه على أعضاء الهيئة التعليمية والعاملين في المدرسة إبلاغ مدير المدرسة أو من يحل محله عن أي جريمة ترتكب في نطاق المدرسة، وعلى مدير المدرسة أو من يحل محله إبلاغ أقرب مركز شرطة كتابة بذلك خلال موعد أقصاه (24) أربع وعشرون ساعة من وقت علمه بوقوعها، وفي حالة مخالفة أحكام هذه المادة يعاقب المخالف بالسجن مدة لا تقل عن (24) أربع وعشرين ساعة، ولا تزيد على (10) عشرة أيام، وبغرامة لا تقل عن (200) مائتي ريال عماني، ولا تزيد على (1000) ألف ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
وتوضح “هذه المادة تسلب أعضاء هيئة التدريس ما تبقى لهم من دور رقابي على هؤلاء الطلاب، حيث فقدت هذه الهيئات ما فقدت من هيبتها ودورها الرقابي والإرشادي والذي كان يساهم بشكل كبير في دعم المسيرة التعليمية في البلاد، وقد جاءت المادة (91) لتفرض عليهم المزيد من الالتزامات والعقوبات وتزرع في نفوسهم الخوف، ونعتقد أنه من الأصلح الإبقاء على السلطات التقديرية لهيئة التدريس للحفاظ على المؤسسات التعليمية بما تتمتع به من نظرة فاحصة لحل الإشكالات التي تحدث داخل تلك المؤسسات ولمقدرة تلك المؤسسات على حل هذه الإشكاليات والمخالفات بطريقة ودية، تساهم في دفع العملية التعليمية في البلاد وحتى لا تتحول هذه المؤسسات لساحة جديدة من ساحات القضاء التي ستؤثر حتما على العلاقة بين الطلاب وكذلك هيئة التدريس المشرفة عليهم، ولا توجد مصلحة ظاهرة في ذلك سوي التشدد غير المبرر”.
وتبين السعدية أن المادة (92) تضمنت أنه: إذا لم يلتزم ولي أمر الطالب بتسجيله أو متابعة انتظامه في الدراسة على النحو الموضح في المادة (26) من هذا القانون، تتبع حياله الإجراءات التي تبينها اللائحة، فإذا لم يقم خلال (14) أربعة عشر يوما من تاريخ إتمام هذه الإجراءات بتسجيل الطفل، أو استمر في عدم متابعة انتظامه في الدراسة بغير عذر مقبول، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على (3) ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن (500) خمسمائة ريال عماني، ولا تزيد على (1000) ألف ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يعاقب إذا تراخت إدارة المدرسة عن إشعار ولي أمر الطالب بعدم انتظام الطالب وفق الإجراءات التي تبينها اللائحة.
وترى أن هذه المادة مخالفة للشريعة الإسلامية، وأن الأصل الثابت هو أن الوالد هو السبب الرئيس في وجود الابن، والافتراض القائم أن كل الأفعال التي يقوم بها الأب تصب في مصلحة الابن وأن أي تقصير من الأب تجاه الابن يكون تقصيرا غير متعمد مبني على ظروف خارجة عن إرادة الأب، وأي تفسير خلاف ذلك أو أي حوادث تخالف هذا تكون حوادث شاذة واستثنائية، والمعلوم حسب السياسة الشرعية أن الشاذ لا حكم له، وللتدليل على هذا النهج التشريعي فقد ذهب جمهور أهل العلم وفي أخطر الأفعال على الإطلاق إلى أنه لا يقتل الوالد بولده، واستدلوا بالحديث الذي رواه الترمذي (1401) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَد) وقياسا عليه يمكن القول أن معاقبة الوالد بالسجن نتيجة لعدم تسجيل الابن في المدرسة عقوبة مخالفة للشريعة الإسلامية، فضلا عن أنها عقوبة قاسية يشمئز منها المجتمع، ولو افترضنا جدلا أن هنالك تقصيرا من جانب أولياء الأمور في تسجل أبنائهم في المدارس فإن الطريق الصحيح لمعالجة هذا الأمر لا يكون عبر معاقبة أولياء الأمور بعقوبة سالبة للحرية، أو تحميلهم غرامات مالية تثقل كاهلهم وتزيد معاناتهم أكثر مما هم عليه الآن، بل يجب الاتجاه نحو برامج التوعية والندوات للشرائح المستهدفة، لا سيما وأن وجود مواد عقابية مثل المادة سالفة الذكر تعطي فكره خاطئة عن الواقع العماني واهتمامه بتعليم الأبناء وهذا غير صحيح حيث أن الإقبال على تعليم الأبناء يسير بصورة مرضية.
وتوضح: أما المادة (94) فتنص: دون الإخلال بقانون مساءلة الأحداث، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (10) عشرة أيام، ولا تزيد على (30) ثلاثين يوما، وبغرامة لا تقل عن (100) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (500) خمسمائة ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من: أ – خالف حكم المادة (84) من هذا القانون، ب – أخل بالنظام العام داخل المدرسة، ج – عطل أداء المدرسة لنشاطها التعليمي، كما تنص المادة (95) على أنه دون الإخلال بأي عقوبة منصوص عليها في هذا القانون، يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون أو اللائحة أو القرارات الصادرة تنفيذا له بالسجن مدة لا تزيد على (30) ثلاثين يوما، وبغرامة لا تزيد على (3000) ثلاثة آلاف ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتقول السعدية: يتبادر لذهن الناظر للمواد أعلاه بأنه أمام قانون جزائي وليس أمام قانون ينظم العملية التعليمية في البلاد، وقد أخذت هذه المواد شكل الصياغة الوارد في القانون الجزائي العماني، ومن الناحية العملية اعتقد بأننا نحتاج لإضفاء المزيد من الثقة على مكونات العملية التعليمية ودفعهم للأمام وتثمين دورهم في المجتمع بدلا من إحاطتهم بسياج من النصوص التشريعية العقابية لنزرع في نفوسهم الخوف ونجعلهم عرضة للمساءلة في كل صغيرة وكبيرة، فلذلك نعتقد بأن المواد العقابية التي أضيفت لهذا القانون غير موفقة.
وتشير السعدية إلى المادة (96) ومفادها: يجوز للوزير فرض جزاءات إدارية فيما يصدره من لوائح وقرارات عما يرتكب من مخالفات لأحكام هذه اللوائح والقرارات، على ألا يزيد مقدار الغرامة الإدارية على (10000) عشرة آلاف ريال عماني، وتضاعف الغرامة في حال التكرار، ويعد تكرارا في تطبيق أحكام هذه المادة ارتكاب ومخالفة مماثلة خلال (2) سنتين من تاريخ فرض الغرامة، وفي حال المخالفات المستمرة يجوز فرض غرامة إدارية عن كل يوم تستمر فيه المخالفة، على ألا يزيد مجموعها على (5000) خمسة آلاف ريال عماني.
وتضيف: صلاحيات إصدار الجزاءات الإدارية من قبل الوزير تهدف إلى المزيد من الرقابة على العملية التعليمية لتحقيق الهدف المنشود وهو تطوير العملية التعليمية في البلاد، فإننا نقر مسألة وجود جزاءات إدارية سوى كانت متعلقة بهيئة التدريس أو متعلقة بالطلاب، ولكن مسألة فرض غرامات لا يتناسب مع العملية التعليمية حيث أن المخالفات التي تحدث سواء كانت من الطلاب أو من أعضاء هيئة التدريس يمكن ردعها عبر الجزاءات الإدارية المتعارف عليها والتي تعالج هذه المخالفات في السنوات الماضية، والتي توازن بين مصلحة العملية التعليمية وسياسة العقاب، وتختلف طبيعة هذه المخالفات عن المخالفات الأخرى التي تفرض عليها الدولة غرامات معينة مثل مخالفات المرور أو البلدية أو خلافه، باعتبار أن المؤسسات التعليمية لها قدسيتها التي يجب المحافظة عليها والنظر إليها كما ينظر للأسرة الواحدة حفاظا على جميع مكونات هذه العملية.
من جهته، يرى الدكتور ناصر الحسني، أكاديمي وأديب، أن قانون المدرسي الجديد يواكب المرحلة التي وصل إليها المجتمع العُماني من تمدن وتحضر وتطور ورقي وفق المتغيرات التي طرأت على الأسرة العُمانية في المدينة والريف والبدو والحضر على حدٍّ سواء؛ بالإضافة إلى تطور أنماط الأسرة على المستوى الاجتماعي الصغيرة والممتدة والتغيرات الاجتماعية الناهضة بالتنشئة والتربية والتعليم التي تساند وزارة التربية والتعليم في تحقيق أهدافها ورؤاها ومضامينها، كما أنه يواكب التطور الكبير الذي حققته وزارة التربية والتعليم وفلسفة التعليم في العالم بشكل عام بما يتوافق مع التقنية الحديثة والتكنولوجيا والثورة الصناعية والذكاء الاصطناعي، فهو نتاج مرحلة لا بد منها ولا بد منه أيضا، لأن ما تسعى إلى تحقيقه الوزارة أصبح مختلف عما تسعى إليه قبل أربعين عاما؛ فكان من الأهمية أن يحقق النظام الجديد العديد من الأهداف التي يسعى المجتمع وتسعى الحكومة والدولة بشكل عام إلى تحقيقه بما يتناسب مع رؤية عُمان 2040، وخاصة بعد الإيمان الجازم من الجميع قيادةً وشعباً حكومةً ومؤسسات بأن التعليم يأتي ضمن أولويات النهضة المتجددة التي يقود زمامها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.
وحول المؤمل من نتائج تطبيقه خلال الفترة المقبلة يشير الحسني: الحقيقة مواد القانون المدرسي جاءت مفصلة لكل أطراف التربية سواءً الوزارة أو المدارس الحكومية والخاصة أو الهيئة الإدارية أو الهيئة التعليمية أو الطالب أو ولي الأمر؛ وفنَّدت المواد كل القضايا المتعلقة بكل طرف وأعطت كل ذي حق حقه من الرعاية والاهتمام والمكانة التي يستحقها، ولم تغفل مواد القانون مكانة المعلم وأهميته في المجتمع كما لم تغفل حق الطالب في التربية والتعليم ولا دور ولي الأمر وأهمية جهوده؛ ومن خلال كل هذه الأبواب والفصول والمواد يأمل الجميع أن يضع التعليم المدرسي قدمه على الطريق السليم للنهضة التعليمية الحديثة في السلطنة، وأن تستطيع مخرجاته المتعاقبة تغيير الكثير والكثير مما يطمح إليه العُمانيون في نهضتهم المتجددة وعهدهم السعيد.
وعن أهم المواد التي يراها ذات أهمية كبيرة لمواكبة التطورات المستقبلية في شأن المنظومة التعليمية، فيضيف الحسني: يعد الباب العاشر “العقوبات” منهجًا جديدًا مفصِّلًا للعديد من العقوبات التي تعتبر مهمة جدا وجاءت بعد سلسلة الحقوق المنوطة بكل طرف من أطراف التربية وخاصة حق المعلم وحق الطالب، وأذكر هنا المادة 92 على وجه التحديد نظرًا لما أثير حولها من مغالطات فيما يتعلق بإلزام ولي الأمر بتسجيل الطفل في المدرسة ومتابعة انتظامه في الدراسة حيث نص القانون بأنه “إذا لم يقم خلال (14) أربعة عشر يوما من تاريخ إتمام هذه الإجراءات بتسجيل الطفل، أو استمر في عدم متابعة انتظامه في الدراسة بغير عذر مقبول، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على (3) ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن (500) خمسمائة ريال عماني، ولا تزيد على (1000) ألف ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يعاقب إذا تراخت إدارة المدرسة عن إشعار ولي أمر الطالب بعدم انتظام الطالب وفق الإجراءات التي تبينها اللائحة”.
ويبيّن: هذا بدوره يقلص الفاقد التعليمي التي تعاني منه الوزارة ويعاني منه المجتمع في الواقع من حيث الأعداد الكثيرة التي يفوتها قطار التعليم في الوقت المحدد، والحقيقة المادة واضحة بأن العقوبة لا تتم إلا بعد تطبيق الكثير من الخطوات والإجراءات اللازم اتباعها من قبل المدرسة وصولا إلى تحقيق الهدف الرئيسي من وجود هذه المادة.
أما سليمان الخليلي، ولي أمر، فيقول: قانون التعليم المدرسي بسلطنة عُمان جاء في وقت مهم لتعزيز التعليم وإيجاد مخرجات بجودة عالية لديها الإمكانيات والقدرات للمنافسة في مختلف المجالات، وقادرة على الالتحاق بالتخصصات والدراسة الجامعة بجانب قدرتها الالتحاق بسوق العمل بكل كفاءة ومقدرة، وهذا مطلب مهم، وبخاصة خلال الفترة الماضية شهد التعليم تحديات كثيرة مما أدى إلى ضعف المستويات التعليمية ومخرجاتها، ومع وجود قانون جديد مهتم بالجودة والعملية التطويرية وأيضا وجود أساليب رادعة تمكن من إتمام العملية التعليمية، أرى أن التطبيق الحقيقي والصحيح وفق تخطيط منظم سوف يساهم في تحقيق أهداف القانون، لتخريج أجيال قادرة على المنافسة في جميع المجالات.