سهيل العوائد
بعيداً عن التذمر وقريباً جداً من الواقع! يحدث أن يتم تكريم موظف غير مجيد، كما يحدث أن يتم استبعاد موظف مجيد، ويحدث أن ينافس المسؤول الموظفين ويزاحمهم في المكافآت والمزايا والتكريم! كما يحدث أن لا يكف هذا المسؤول عن التنظير والفلسفة وشعارات التحفيز والمثالية! وفي الواقع هو كان مُخفقا في عمله وغير مجيد له عندما كان موظفا بسيطا.
فعجباً، لماذا يتنمر المسؤول على الموظف البسيط! هل نحن بحاجة إلى التنمر في بيئة العمل أم نحن بحاجة إلى خلق بيئة جاذبة ومحفزة ومُنتجة وصديقة؟ هل نحن بحاجة إلى تكريم المديرين والمسؤولين والقابعين في أروقة المكاتب؟ أم نحن بحاجة إلى تحفيز الموظفين في الميادين وانتشالهم من الضغوطات وتحفيزهم ودعمهم؟
ماذا لو تبنّت المؤسسات تفضيل التكريم للموظفين في الميدان؟ وهذه ليست دعوة لحرمان الموظفين من الإجادة فللجميع الحق في التكريم، ولكنها دعوة لتفضيل الميدان على المكتب بهدف زيادة الإنتاجية وتحسين بيئة العمل.
إن التذمر الذي أتى مع تقييم إجادة في تجربتها الأولى له مبرراته ودوافعه، إذ كان ينبغي توضيح آلية التقييم في السنة الأولى للإجادة حتى لا يتعرض الموظف للظلم والإجحاف، فالكثير من الموظفين تم تقييمهم بتقدير أقل من الحجم الحقيقي للجهود التي بذلوها.
لكن هذا لا يعني عدم فاعلية إجادة ونجاحها في بعض المؤسسات، بل يعكس بشكل واضح الخلل في كيفية تطبيق وتقييم الإجادة عند المسؤول والموظف في بعض المؤسسات.
ويقول د.صالح الفهدي: “التكريم موضوعٌ حسَّاس وله أبعادهُ النفسية والاجتماعية والفكرية والعملية، وما لم يُرسَ على قواعدَ متينةٍ، ومعايير واضحة فإنَّ نتائجه ستكون عكسيَّة بل وكارثيَّة!”
من هنا أقول ومن دون التقليل من شأن أحد، ومع احترامنا للجميع في كل المؤسسات من موظفين ومسؤولين وما يقدمونه من إجادة وعمل وإنتاج، نحن اليوم أحوج ما يكون إلى تشجيع ودعم الموظف في بيئة عمله واحتوائه بأفضل الطرق، ولسنا بحاجة إلى تنفيره من بيئة عمله وقتل إبداعه وشغفه.
نحن بحاجة إلى تنمية الاتجاهات الإيجابية في نفوس الموظفين لتعزيز إيجابية بيئة العمل، ولسنا بحاجة إلى التنمر المعرفي الوهمي واستعراض الأفكار وبعض المصطلحات والمفاهيم الحديثة!
نعم نحن نحتاج إلى إعطاء الإنسان كرامته اللائقة به كإنسان له مشاعره وكرامته قبل أن يكون إنسانا موظفا، وهذا لا يعني أن يبقى الموظف رهين الأمس، جامد القلب والفكر، ضعيف الأداء والإنتاجية، بل عليه أن يسعى لتنمية مهاراته وقدراته حتى يثبت كفاءته وإجادته لنفسه أولا وللآخر ثانيا.
إن ما يواجهه الموظف اليوم من زحمة العمل ومن ضغوط الحياة ومن التغير السريع في هذا العالم ليس من السهل تجاوز تأثيره على أداء الموظف، ومن هنا يأتي دور القائد الحقيقي الذي تظهر كفاءته في هذه المواقف حيث يجب أن يقف القائد الناجح إلى جانب موظفيه ويدعمهم ويتجاوز عنهم ويدفعهم نحو النجاح والإيجابية حتى يصفق لهم على منصة التتويج.
الإجادة في تقديري ليست مجرد مكافأة مالية أو سفرة خارجية أو شهادة ورقية، قد تكون كلمة طيبة وقدوة حسنة وعدالة راسخة وأسلوبا راقيا وخطابا متواضعا وموقفا إنسانيا وتعزيزا إيجابيا وعطاء متواصلا.
لا حدود للإجادة في العمل والحياة وتبقى الإنسانية فوق كل قانون والرحمة فوق القانون، هذا ما تعلمناه من ثقافتنا وتاريخنا وإرثنا، وهذه دولتنا المتجددة تواصل مسيرة نهضتها وتتعهد بالعمل على النهوض بأبناء هذا الوطن الغالي ليكونوا في مقدمة الدول والشعوب تميزا وتفوقا ورفاهية واستقرارا.
فلنعمل معاً بإجادة وإخلاص وتفانٍ وإنسانية وإيثارٍ وتعاون وتقدير وتفهم، كلٌ في مجاله من أجل عمان مزدهرة وآمنة.