عائشة بنت جمعة الفارسية
( إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ،ولكن في باطنه نظر وتحقيق ). ابن خلدون
حرصت هيئة المحفوظات والوثائق على تجسيد هذه المقولة جملة وتفصيلا، كهدف رئيسي في ندوة محافظة جنوب الشرقية في ذاكرة التاريخ . فالإشارة إلى النجاح في عمل يتحدد في إبراز التاريخ ،لا يتأتى بلحظة زمنية محددة ولا بعنصر بشري .
إنها منظومة متكاملة نلاحظها بدءا من أصحاب الفكرة ومنفذيها في جميع الدروب التي سلكتها للتعريف أولا ،بأهداف الندوة واستقطاب العقول والفكر التاريخي ثم اختيار أوراق العمل المقدمة بما يتوائم والأهداف التي خططت لها .
ثم مرورا بالإعداد اللوجستي لها وصولا إلى نهاية المطاف بالصورة الزاهية في التنفيذ والاهتمام إلى كل ما قد يبرز صغار التفاصيل الاستثنائية الجميلة .
تميزت ندوة محافظة جنوب الشرقية في ذاكرة التاريخ بامتزاج معلوماتي متنوع ،وكأنها جاءت كبساط الريح لف على كل المجالات فأخذ محبي التاريخ يضع كل واحد منهم بضاعته على هذا البساط الساحر .
حملت جميع الأوراق عبق الماضي ،محملا بأبناء الحاضر .
توسمت بضاعتهم ،بوسام الفخر بتاريخ عمان عامة وجنوب الشرقية خاصة لقرون خلت .
جاءت الأهداف مواكبة لتحقيق المكانة التي تحلت بها المحافظة تراصت الأوراق كما ارتص الحجر والطين مشيدا قلاعها وحصونها .
وكما ارتص خشب الجندل سقفا لبيوتهم وخشب الساج قاعدة وتكوينا لسفنهم.
في مثل هذه التجمعات الثقافية لطرح التاريخ من مختلف أبوابه تأتي جملة من الأهداف الثانوية تتحقق تباعا ، لتكون اللبنة الجديدة لرؤى قادمة ومسارات متنوعة تنشأ من امتزاج أفكار ما يتم طرحه ومناقشته بتبادل الخبرات في ذات المجال لتحصد الأفكار في سبر أغوار التاريخ العماني الحافل ،وتوظيف عقول وأقلام أبنائه وتحفيز الهمم في تبيان أهمية الموروث التاريخي والحفاظ عليه وصيانته كهدف رئيسي على اعتبار أنه الحصانة المؤكدة لأي تشوه قد يعتريه لأي سبب وليكون دليلا ملموسا يقرأه كل متفحص ومتعطش لمعرفة التاريخ وتدوينه و ارثا يقدمه الأباء لأبنائهم عن أجدادهم.
وحتى لا ينضب معين التاريخ المروي ،لوفاة العديد ممن حضروا وسمعوا عنه.
جاءت هذه الندوة لتحقق هدفا آخر ،كمثال للتدوين المواكب لتطور العصر مع تنوع مخرجاته .
ومن هذا المنطلق يتحتم علينا جميعا أن نشد على تلك العقول التي وضعت هذه الأفكار النيرة لتكرار مثل هذه الندوات على نطاق أوسع بحيث ينتهج منهاجا مختلفا في صب هذه العلوم والأخبار عن التاريخ للأجيال القادمة متماشيا مع التطور التقني المتسارع وليتواكب مع أفكارهم وحتى لا يكون لوجود هذا الإرث ثقلا عليهم ينبغي أن تصنف طرق المعرفة وقوالبها بين المحكي والملموس في طريقة العرض من خلال تنظيم المعارض والمتاحف الموجهه لعرض المعلومة بقصص مجسمة توضح طرق الملاحة البحرية على سبيل المثال وطريقة صنع السفينة لكي تتشربها الأبصار قبل أن تتلقها أنسجة المخ لتترسخ في العقول ،مع مراعاة الفئات العمرية المختلفة لتكون دروسا لهم لتنفيذها على مجسمات تتماشي مع النهج الحديث الذي ستنتهجه وزارة التربية والتعليم العام القادم لبعض المحافظات التعليمية في تصنيف طلبة الصف الحادي عشر وإضافة مسار التعليم التقني.
فالارث التاريخي لعمان لا يقتصر على التاريخ البحري فهناك مجالات عدة تمكن منها العماني منذ عهود وستجد هيئة المحفوظات و الوثائق وغيرها من الجهات المعنية كنوز من المعارف لا ينبغي وضعها في فلاشات الذاكرة إلا بالطريقة التي تليق بها بحيث لا يقتصر وجودها بين أرفف خزانات الحفظ أي كان نوعها.
وهنا أود الإشارة إلى تلك الفكرة المميزة والتي خرج بها أبناء صور كنوع من التدوين التاريخي تمثل في حكاية صورية والتي كانت بحق من الأمثلة التي يجب الإشارة والإشادة بها .
مثمنين لهيئة المحفوظات والوثائق هذا الجهد الجليل من رأس الهرم حتى قاعدته.