رأي شؤون عمانية
تستمد العلاقات العمانية المصرية والتي تعود جذورها إلى آلاف السنين، خصوصيتها من العمق الحضاري للشعبين الشقيقين، ليوجد هذا المرتكز الحضاري استدامة للعلاقات التي لم تؤثر عليها أي من عوامل السياسة في تفرد قلما يوجد في العلاقات بين الدول.
وتأتي الزيارة الرسمية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ومباحثاته مع أخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي في إطار تواصل تعزيز العلاقات الوطيدة بين البلدين والتعاون الوثيق والتنسيق الدائم في كافة المجالات، حيث تضع القيادتان الحكيمتان مصالح الشعبين على رأس أولوياتهما.
وهذه الزيارة التي تمثل دفعة لرفع مستويات التعاون والتنسيق المشترك تبني على إرث تاريخي كبير، جاء من خلال اتصال الحضارتين عبر سفن قدماء المصريين التي جلبت اللبان لاستخدامه في المعابد والتحنيط وفق ما أشارت الآثار والدراسات البحثية التاريخية التي وجدت في مقابر قدماء المصريين، والخرائط التي دلّت على رحلاتهم إلى ظفار، كما استمر هذا التواصل مع وجود بعض القبائل العُمانية ضمن القبائل العربية التي جاءت في فتح مصر.
وفي العصر الحديث استمر التواصل، حيث وقفت سلطنة عمان إلى جانب مصر ضد الاحتلال الفرنسي في عهد السيد سلطان بن أحمد بن سعيد، ووقوف سلطنة عمان إلى جانب مصر في تضامن عربي قوي مع مصر في حرب أكتوبر 1973م، وأرسلت دعمًا عسكريًّا بقوات عسكرية محدودة للمشاركة في الحرب، بل ووقفت سلطنة عمان إلى جانب مصر في خيارها نحو السلام ولم تنضم إلى المقاطعين بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، بل واتخذت العلاقات منحى تصاعديا في عهد المغفور له بأمر الله تعالى جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه.
ومنذ زيارة الدولة التي قام بها فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى سلطنة عمان في عام 2018 اتخذت العلاقات العمانية المصرية منحى جديدا تسارعت فيه خطوات التعزيز في مختلف المجالات، لتعمل زيارة فخامة الرئيس المصري إلى سلطنة عُمان على إعطاء المزيد من الدعم من خلال مذكرات التفاهم والاتفاقيات والبرامج التنفيذية ورسائل التعاون التي شملت مجالات متعددة، منها تعزيز المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية وترويج الاستثمار وتنمية الصادرات والنقل البحري والموانئ وإنشاء وإدارة المناطق الصناعية وحماية البيئة والاعتراف المتبادل بالشهادات الأهلية البحرية للملاحين وأعمال النوبة، بالإضافة إلى التعاون العلمي وبرامج تنفيذية للتعاون في مجالات الشباب والرياضة والعمل والتدريب والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
كما تشير الأرقام إلى قفزات نوعية في التبادل التجاري والاستثماري حيث إن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان وجمهورية مصر العربية شهد في عام 2022 م ارتفاعًا ليبلغ ما يقارب 393 مليونًا و628 ألف ريال عُماني مقارنة بـ 217 مليونًا و742 ألف ريال عُماني في عام 2021م.
كما أن مؤشرات الاستثمار بين البلدين الشقيقين بدأت تتحسّن منذ ما يُقارب الـ 3 سنوات كما أن حجم الاستثمارات المصرية في سلطنة عُمان يقترب من ملياري دولار.
ومع هذا العمق الحضاري والروابط الثقافية الكبيرة بين البلدين والتي تتنوع وتتشعب لتشمل مجالات كثيرة في الآداب والترجمة والسينما والمسرح والفنون بمختلف أنواعها والتي تعمق من الروابط والتواصل الدائم بين البلدين والشعبين ومع التطابق في المواقف السياسيّة في مختلف القضايا السياسية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، يبقى من المهم الارتقاء بالتعاون الاقتصادي إلى مستويات تتناسب مع هذا العمق.