رأي شؤون عُمانية
في اغتنام لمناسبة عيد الفطر السعيد التي يفرح بها المسلمون في عموم الأرض بإتمام صوم رمضان، جاءت خطبة صلاة العيد لتحمل في مضامينها رسائل عمانية تؤكد على نهج التسامح الذي بات مقصدا لكل جهد عماني وعنوانا لدبلوماسية ترتكن على فهم صحيح للإسلام وتاريخ متراكم من الإنسانية وإيمانا بأننا لسنا في هذا العالم وحدنا ورسالتنا هي التفاعل والتفاهم مع أمم وشعوب كثيرة غيرنا.
وهذا النهج المتسامح منبعه فهم عميق لحقيقة أننا قد نختلف مع غيرنا وهو أمر طبيعي ناتج عن اختلافنا، كما أن طبيعة الحياة أنه مثلما يكون هناك اشتراك في المصالح بين البشر فإنه من الطبيعي والمنطقي أن يكون هناك أيضا تقاطع في مصالح أخرى. وفي هذه الحالة الأخيرة تبرز القيم الراقية في الاختلاف والحكمة التي تقتضي الثبات على مبدأ الإحسان والتعايش مع من حولنا في كرامة وسلام.
وقد أكدت خطبة العيد بمسجد الخور بمحافظة مسقط ، حيث أدّى حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ صلاة عيد الفطر المبارك بمعيّة عددٍ من أصحابِ السُّموّ أفراد الأسرة المالكة، وعددٍ من المسؤولين، على جوهر التعامل العماني مع العالم وهو تعامل ينتفي عنه الخوف والتخويف حيث أننا لا نخاف من العالم ولا نخيفه بل نشاركه أخلاقنا وحضارتنا، امتثالا لنهج القرآن الحكيم {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين}.
وفي رسائل تحمل آليات التعامل مع العالم الواسع سلطت الخطبة الضوء على بُعدين ومقتضيين، مبتدأ الأول هو الإنسان وذاته وهو البعد الذي يحمله الإنسان في نفسه حول هوية العمل والعدل والأخلاق.
ففي هذا البعد ينبغي على الإنسان أن يتمسك بهويته ويتحصن بقيمه وأخلاقه متحريا العدل والموضوعية في أحكامه. وهذا التمسك بالهوية يكون بالاعتزاز بها مثلما يحافظ عليها ويصونها, فإنه يعزز صاحبها بالثقة والثبات عند التعرف على الآخر ولا يناله الاهتزاز أو الانبهار إذا صادف ما يتعارض مع قيمه وأخلاقياته وثوابته.
ويتجلى ذلك في احترام منظومة التشريعات العمانية للحريات الأساسية والأديان والثقافات إيمانا بأن الإنسان هو حجر الزاوية في المجتمع وفي التنمية. كما أن تحري العدل والإحسان يجعل من الفرد سفيرا لثقافته ناشرا لقيمه كون سلوكياته عنوانا وتطبيقا عمليا لهذه القيم.
أما المقتضى الثاني والمتعلق بالآخر فإن مرتكزه هو الانتماء الإنساني الذي يحتم المشاركة بفاعلية تتجلى في الاعتراف بالآخر والتعارف معه ومن ثم الإسهام في المعارف والتشارك فيها. فالآخر موجود وله قيمه وثقافته وإسهاماته الحضارية واعترافنا به يقود للتعرف على هذه الثقافة والتركيز على ما تجمعنا بها من مشتركات كما أنها فرصة لتعريفه بثقافتنا وقيمنا ونشر هذه الثقافة.
وعن يسر العقيدة الإسلامية ورحمة ديننا الحنيف حيث أكدت خطبة العيد ذلك، في الإشارة الى قول الحق تعالى “يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر”، وبها تتوازن في نفس المؤمن الأعمال، فلا يغلو ويسترشد في سلوكه بالرحمة، ولا يتطرّف وينشد التقوى، ولا يضلّ ولا يشقى، وبذلك فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغلو في الدين فإنه “أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين”.
فبلادنا وبما أنعم الله عز وجل عليها من نعم سابغة في مقدمتها نعمة الأمن والأمان والاستقرار وما تشهده من تنمية وازدهار, فإنها تستند على تاريخ من التسامح وحضارة امتدت إسهاماتها إلى مختلف حضارات العالم القديم, ونهضة حديثة تراعي قيمة الإنسان. وستبقى بلادنا بهذا النهج عنوانا للسلام.