خاص ـ شؤون عمانية
يعيش العالم اليوم مسارات فكرية متعددة، نظرا لتأثر المجتمعات بما يتم طرحه من أراء وأفكار في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الوعي بمحتوى تلك المواقع عبر الحوارات المتعددة وما تحويها من أفكار ومفاهيم متداخلة، يأتي بشكل نسبي فيما يخص كيفية التعامل مع الأخرين ومع ما يتم طرحه من أفكار جديدة وأساليب حياتية مختلفة، حيث أنها تمثل ركيزة أساسية للواقع الذي نعيشه.
“شؤون عمانية” ناقشت كيفية خلق حوار بناء معنى بتلك القضايا الفكرية المتعلقة بمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي، والكشف عن دورها في بناء العلاقات ونشر الأفكار والثقافات المختلفة ومدى تأثيرها على المجتمعات وموائمتها.. عبر طرحها مجموعة من الأسئلة لعدد من الكتاب والأساتذة فكان لها الحوار التالي:
ـ ما هي الأساليب والطرق التي يمكن استخدامها لضمان إيجابية الحوار بشأن قضايا واطروحات وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية مساهمته في بناء المجتمع والأفراد؟ وكيف نتجنب الجدال والمصادمات التي قد تؤثر سلبا على بناء العلاقات الاجتماعية؟
في البداية يقول الكاتب والناشط أحمد بن سيف الهنائي: أنه لا يختلف عاقلان حول أن منصات التواصل الاجتماعي سحبت البساط من أسفل المؤسسات الإعلامية في مختلف دول العالم؛ لسهولة الوصول إليها، ولبساطة التفاعل والمشاركة بها دون قيود أو اشتراطات؛ وفي ثوانٍ معدودة يستطيع الشخص الوصول الى محتواه من الشرائح التي يرغب في الوصول إليها، مضيفا أنه :” من الصعب السيطرة على تلك المنصات، لانفتاحها المطلق وسهولة الوصول اليها، وعليه فإن التحكم بإدارة هذا الحوار وفق مبادئ وأخلاق الحوار يبدو متعذراً للغاية؛ إنما تبقى مسؤولية صاحب الحساب أو المنصة الأكثر تمكيناً في توجيه دفة الحوار، وسنّ الأدوات المنظمة والحاكمة لهذا التفاعل.
ويشير الهنائي إلى أنه من المهم زرع ثقافة الحوار بين مختلف شرائح المجتمع، وخصوصا الناشئة والشباب، كونهم الأكثر فئة ولوجاً وتفاعلاً مع مواقع التواصل الاجتماعي، وما يعيبنا هو ضعف تنشئة الحوار الوطني الهادف، لذا نجد أغلب القضايا الوطنية تطرح في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عاطفي بالدرجة الأولى، ووفقا للحاجة الفردية، وسعياً لمعالجات شخصية فئوية، وهذا لا ضير منه؛ شريطة أن يكون الهدف الأسمى هو الصالح العام، وأن تستند الآراء إلى مقاربات علمية، ويكفي أن يتحدث المرء بما يعلم، وفي النهاية علينا أن نتحلى جميعاً بآداب الحوار والقيم الإنسانية، واحترام الرأي الأخر حتى وإن خالف مبادئنا ومعتقداتنا، نواجهها بالحجة والمنطق والبرهان وبقدر عالٍ من المسؤولية الأخلاقية؛ وهو ما سيصل بنا في نهاية المطاف الى غاياتنا المنشودة من تلك الحوارات.
بدورها تؤكد الدكتورة رحمة البلوشية، المختصة في علم النفس الخاص بالتعليم والتدريب: أن وسائل التواصل الاجتماعي شكلت اليوم قنوات يطرح فيها الفرد أفكاره ورؤاه، حيث يستطيع الأخرين المشاركة بها من خلال تفاعلهم عبر مجموعة حوارات ونقاشات بشأن القضايا التي تشغل المجتمع والإنسان.
وتضيف البلوشية: أنه يجب أن يكون الحوار في تلك المنصات الاجتماعية حوارا متزنا، فعلى المتحدث أن يعي أن معرفته ربما تكون محدودة لأنها نظرة من جانب وزاوية واحدة ، فيجب عليه الاستماع إلى كافة الآراء المطروحة، فما يلاحظ في تلك المناقشات، سطوة العقل الجماعي على الأفراد وسيطرتها على الرأي العام إذ يفقد بعض الأفراد قدرتهم على تحكيم العقل إلا ما رحم ربي، وهناك من يتمكن من ضبط انفعالاته وهو ما ينعكس على إيجابية الحوار، فالطريقة المثلى لطرح القضايا بما يتواءم مع عقول الغير، هو تحكيم العقل وضبط الانفعالات والتخفيف من حدة الانتماءات والتحيزات المعرفية.
وتشير البلوشية الى أنه ليست كل القضايا التي تطرح ذات أهمية، ففضاءات التواصل الاجتماعي كبيرة ومفتوحه على مصراعيها، ومتى ما يحدد الإنسان قضاياه واهتماماته وركز فيها كان أبعد عن الضجيج والحوارات غير البناءة وغير المجدية، لذا يجب أن يكون الانسان انتقائيا في حضوره ومتابعاته، فوسائل التواصل هي مجتمعات نستطيع أن نقول أنها واقعية تؤثر علينا وتشكل مفاهيمنا وتحرك مشاعرنا، فعلينا أن نختار لعقولنا ما يؤثر فيها إيجابيا.
في سياق متصل يؤكد الكاتب والباحث سند بن حمد المحرزي: أنه يجب أن يستهدف الطرح في وسائل التواصل الاجتماعي القضايا والمناقشات التي تشغل المجتمع، وأن تبتعد عن كل ما هو غير مجدي، ليكون التفاعل إيجابيا يستقطب عددا أكبر من الناشطين والمتفاعلين، مضيفا أنه من خلال متابعته لمواقع التواصل الاجتماعي فقد لاحظ أن أغلب التفاعلات مع محتوى معين تصاحبها ردود فعل غير مهذبة وتكون بعيدة عن لغة الحوار والطرح البناء حيث تحتوي على أساليب من التّهكم والتّهجم والسخرية والاستهزاء، بالإضافة الى انتحال أو سرقة معلومات من خلال التغريدات وعدم نسبها لمصدرها والتستر وراء حسابات خفيّة لا يعرف صاحبها.
ويؤكد المحرزي :”أن ما يهم المجتمع هو الاستفادة من الأفكار والمواضيع الهادفة، وذلك لا يتم إلا عن طريق طرحها بطريقة تضمن التفاعل الإيجابي، كذكر مختصر عن الموضوع المطروح عبر وضع أيقونة تفاعل تشير احداها الى “الإيجابي”، بينما تذهب الأخرى نحو “السلبي” مع وضع مساحة للملاحظات، بجانب أن يكون الموضوع المطروح مدروس ومهم، وأن يكون واضعه ملما بالأحداث ومثقفا ليتفاعل مع الجمهور وإفادتهم بإجابات مقنعة حول أفكارهم وتساؤلاتهم.
وينبه المحرزي لعدم طرح مواضيع حسّاسة قد تؤجج القبلية كخلافات المذاهب والابتعاد بقدر الإمكان عن المناقشات السياسية التي يتم فيها ذكر بعض الشخصيات المسؤولة في الدولة، مع مراعاة انتقاء الكلمات والعبارات المناسبة لاسترسال الجمهور في الحديث والصبر على التعامل السيئ وعدم التفاعل مع ردّات الفعل السلبية نهائيا.
الكاتبة ميمونة الوهيبية المختصة في مجال التواصل والإعلام توضح: أن الحوار في وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فاعلة وأداة تعكس صوت المجتمعات والاستماع لمختلف وجهات النظر، لتشكيل قناعات جديدة وقرارات نافعة. وتشير الوهيبية الى أنه من المهم والضروري أن يكون الفرد مسؤولا لكل ما يتحدث به، بالرجوع الى قوله عزوجل :”مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”، موضحة أنه لابد أن يتعلم الفرد لغة الحوار النافع منذ الصغر وهي مسؤولية الآباء والمعلمين، مشيرة الى الدور الكبير الذي يمارسه الإعلام في هذا الجانب أيضا، بشأن الابتعاد عن كل ما هو فكرا سلبيا وبائسا ومحبطا.
وتقترح الكاتبة في نهاية حديثها إنشاء جهة رقابية تقوم بردع الردود السلبية والحوارات التي تخالف الدين وتؤثر على الفطرة السوية للمجتمعات، وتستخدم أساليب السب والقذف وغيره، حتى تقتلع من جذورها وتمنع تفشيها لتكون عبرة للآخرين، مشيرة الى أنه من الجيد أن يكون الفرد رقيب على نفسه ومسؤولا أمام ربه ومجتمعه، وأن يكون بحسب قول الكاتبة “محضر خير وشجرة تلقي بثمارها النافعة على الأخرين” في كل حين.