فيصل بن أحمد السعيدي / محامي ومحكم دولي معتمد
شركة الجرادي والمعمري محامون ومستشارون في القانون
بمطالعة المرسوم السلطاني رقم ٢٣ / ٢٠٢٣ في شأن زواج العمانيين من أجانب نجده أتى بأحكام جديدة تغاير التنظيم السابق، وهذا التغيير في التشريع جاء – في وجهة نظرنا – إقرارا بالارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والسلم والأمن العالميين، وتأكيدا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين للأمم المتحدة بشأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي من جملتها حق تأسيس الأسرة دون قيود أو شروط ترتكن على الجنسية.
وبتتبع مواد المرسوم السلطاني نراه أتى بنص صريح وواضح بإلغاء المرسوم السلطاني رقم ٥٨/٩٣ بالتفويض في إصدار أحكام تنظيم زواج العمانيين من أجانب وإجراء تعديلات في قانون تنظيم الجنسية العمانية، وهذا النص يندرج تحته بالتبيعة إلغاء القرارات في هذا الشأن؛ إعمالًا لمبدأ التدرج التشريعي باعتبار أن الأعلى يسود الأدنى؛ لذا يُعد القرار الوزاري رقم (92/93) بإصدار أحكام تنظيم زواج العمانيين من أجانب وتعديلاته مُلغى بموجب هذا المرسوم.
أما المادة الثانية من المرسوم يمكن بسطها في فقرتين؛ الفقرة الأولى تنص على ألا تخل أحكام هذا المرسوم بأحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام، وهذا يلزم منه الالتزام بنصوص المرسوم السلطاني رقم ٣٢/٩٧ بإصدار قانون الأحوال الشخصية الذي جعل لعقد الزواج أركانًا أربعة لا يصح العقد إلا باجتماعها معًا، وهي الإيجاب والقبول، والولي، والصداق(المهر)، والبينة؛ إسقاطًا لنص المادة (16) من القانون آنف الذكر، مع مراعاة الأحكام العامة للزواج والتي أخصها أن الأزواج عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، ومراعاة أنه إذا اقترن عقد الزواج بشرط ينافي غايته أو مقاصده فالشرط باطل والعقد صحيح.
يترتب على ما تقدم أن جميع عقود الزواج التي تم إبرامهما إبان تطبيق القانون الحالي أو العقود السابقة على تطبيق القانون الجديد واستوفت أركانها وشروطها، أن توثق أمام الكاتب العدل؛ فهذا حق للجميع ولا يصح لجهة الإدارة المسؤولة عن توثيق هذه العقود – عند استيفاء عقد الزواج جميع أركانه وشروطه – عدم توثيقه، وإلا عد ذلك من القرارات الإدارية السلبية التي يجوز فيها رفع الموضوع للقضاء (الدائرة الإدارية) لإلزام جهة الإدارة بتوثيق العقد، شأنه شأن سائر القرارات الإدارية الأخرى.
تجدر الإشارة في هذا الصدد أنه ليس للقضاء أن يحكم بعدم اختصاصه بنظر هذه الدعوى لكون هذه القرارات لا تعد من الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة أو بالمراسيم أو الأوامر السلطانية أو الدعاوى الخاصة بأعمال الوحدات الأمنية والعسكرية أو الدعاوى المتعلقة بالجنسية والشؤون القبلية.
بالمقابل يصح لجهة الإدارة(الكاتب بالعدل) الامتناع عن توثيق أي عقد تم بمخالفة أركان عقد الزواج المذكورة أعلاه سواء داخل السلطنة أو خارجها وسواءً قبل العمل بهذا القانون أو بعده؛ ذلك أن لكل دولة سيادتها ونظامها ولا يصح أن تكون عقود الزواج التي تُبرم خارج السلطنة سبيلًا لتوثيقها؛ فمتى تخلف ركن منها وجب على الكاتب بالعدل الامتناع عن توثيق هذا العقد، ونسوق مثالًا لذلك أنه إذا اختل ركن الولي في العقد؛ فلا يصح عنده توثيق عقد الزواج باعتبار أن الركن الثاني من أركان العقد (الولي) غير مستوفٍ في العقد، وهذا ما قضى به الطعن رقم 217 / 2017 الصادر عن دائرة المحكمة الشرعية جلسة 08 / 04 / 2018م والذي نص على أن:” زواج المرأة بغير إذن وليها أثره بطلان عقد الزواج”.
ومن باب أولى الأنكحة التي لا يقرها الإسلام ويحاربها فلا تصلح أن يُتحجج بها لتوثيقها أمام الجهة المختصة بالسلطنة؛ فهذه زيجات تهدد الجنس البشري لا يمكن بحال من الأحوال قبولها أو تقبلها فهي تتنافى مع الفطرة السليمة كزواج المثليين والزواج الجماعي ونحوها من الأنكحة الباطلة؛ وهذا صريح بنص المادة (5) الخامسة من القانون ذاته من أن الزواج غايته الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوج، على أسس تكفل لهما تحمل أعبائها بمودة ورحمة؛ إنزالًا لحكم المادة (5) الخامسة من القانون ذاته؛ فكل هذه الزيجات التي ليست غايتها الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة غير جديرة بالحماية القانونية.
أما الفقرة الثانية فتوضح أن بعض المراسيم السلطانية أو بعض الأنظمة السارية تقضي في مسوغات التعيين بشرط عدم الزواج من أجنبي؛ فهذه النصوص تظل سارية؛ لما لها من أهمية وطبيعة خاصة.
وقد يتساءل البعض عن مآل الدعاوى القائمة بشأن من وقعوا تحت طائلة الاتهام لمخالفتهم التشريع السابق؟ وأيضًا قد يتساءل آخرون ماذا بشأن الذين صدرت في حقهم أحكامًا باتة هل بإمكانهم الاستفادة من التشريع الحالي؟ أجابت المادة (13) من قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٧ / ٢٠١٨م على هذا التساؤل الأخير من أن الذي صدر فيه حقه حكمٌ باتٌ يستفيد من هذا المرسوم بوقف تنفيذ الحكم؛ حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة (13) من قانون الجزاء ما نصه: “… وإذا صدر- بعد صيرورة الحكم باتا- قانون يجعل الفعل الذي حكم على المتهم بسببه غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم، وتنهي آثاره الجزائية”.
وأما بشأن الذي مازالت دعواه منظورة – في أي مرحلة من مراحل التقاضي – فإن الدعوى تنقضي؛ تطبيقًا للمادة (15) من قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٩٧ / ٩٩ والتي تنص على أنه: “تنقضي الدعوى العمومية بوفاة المتهم أو العفو عن الجريمة أو مضي المدة أو التنازل عن الشكوى أو الطلب أو الحكم فيها نهائيا أو بإلغاء النص العقابي…”
نخلص في نهاية المقال أن زواج العمانيين من أجانب صار دون قيد أو شرط – سوى القيد الوارد بالمادة الثانية من المرسوم – ؛ فلا يحتاج إلى تصريح مثل السابق سواءً للرجل أو المرأة مع مراعاة أركان وشروط عقد الزواج وفق التفنيد المذكور بعاليه.
لذا توثق عقود الزواج لدى الكاتب بالعدل متى تحقق أركانها وشروطها، كما توثق المحررات التي تثبت زواج العمانيين من أجانب التي تمت داخل السلطنة سواء قبل العمل بهذا المرسوم أو بعده، وكذا الشأن في عقود الزواج التي تم تحريرها خارج السلطنة فتوثق سواءً كانت قبل العمل بالمرسوم أو بعده، مع مراعاة التصديق على هذه المحررات من الجهات المختصة في الدولة الأجنبية ووزارة الخارجية العمانية؛ تمهيدًا لتوثيقها أمام الكاتب بالعدل بالسلطنة.
ويعد هذا المرسوم نقلة نوعية في سياسة السلطنة في تنظيم أحكام الزواج من أجانب، وله آثاره القانونية والاجتماعية بلا ريب، لأن الزواج هو الأسرة وهو المجتمع، وبالتالي فالنسيج المجتمعي سيطرأ عليه تغيير في المستقبل، سيما وأن هناك مؤثرات أخرى اقتصادية وصحية واجتماعية ستؤدي إلى زيادة نسب الزواج من أجنبيات، ثم قد تتحول هذه الموجة إلى ثقافة مجتمعية، وسيؤثر حتما على نسب العنوسة في البلد، خصوصًا مع قلة الإقبال الخارجي على الزواج من العمانيات ومصادمة ذلك للأعراف.
نكتفي بذلك تاركين المجال لأصحاب الاختصاصات في علم الاجتماع للحديث عن الآثار الإيجابية والسلبية المتوقعة جراء تطبيق المرسوم.