رأي شؤون عمانية
جميعنا نؤمن بحق كل فرد في التعبير عن رأيه وطرح أفكاره واستعراض وجهة نظره في القضايا التي تخصه بشكل مباشر أو تخص مجتمعه أو بيئته التي يعيش فيها، إلا أن بين حرية الرأي والتجاوز شعرة قد لا ينتبه إليها الكثيرون.
لقد أتاحت منصات التواصل الاجتماعي للجميع فرصة للتدوين ونشر الآراء والتعليق على الأحداث والقرارات والمشاركة في النقاشات الجماعية والرد على الآخرين، إلى أن الكثيرين أساء استخدام هذه الميزة وهذا التطور التكنولوجي، ليتحول الفضاء الإلكتروني إلى ساحة من التجاوزات والمزايدات، فنجد هذا يزايد على وطنية ذاك، وهذا يتهم الآخر في علمه أو دينه، ناهيك عن تسطيح الأمور ونشر الشائعات لخلق حالة من البلبلة واللعب على الأوتار الحساسة في بعض الأحيان.
إن من أعظم السلبيات التي نتجت عن مساحات حرية الرأي والتعبير وإتاحة منصات التواصل الاجتماعي للجميع، أن القضايا الهامة تتحول في لحظة إلى تفاهات بسبب سوء تناولها، أو الخوض في تفاصيلها من قبل غير المتخصصين أو ذوي الخبرة، فيظهر لنا الغث والثمين ويعلو صوت الغث فتخفت أصوات أصحاب الرأي والفكر ولا تسمع لهم إلا همسا.
وفي وطننا، فإن توجيهات جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- واضحة وتدعم حرية الرأي المسؤولة والوعي النقدي الذي يدفع بالإنسان لأن يقدم أفضل ما لديه لبناء هذا الوطن العزيز، إلا أننا ما زلنا نجد انحرافات وخلل في عملية النقد المسؤولة لتتحول إلى هجوم وتطاول يهدم ولا يبني، يدمر ولا يعمر، يزعزع وحدة المجتمع ولا يساهم في تماسكها.
وهذا الانفلات غير المسؤول عبر منصات التواصل الاجتماعي لا يقتصر على بلد بعينه، بل تحول إلى ظاهرة في الكثير من الدول، بعد أن جعل بعض الناس صفحاتهم وحساباتهم الشخصية منصة للهجوم طوال الوقت، والتشكيك باستمرار في كل قرار يتم اتخاذه أو عمل يتم القيام به.
ومن أشد المخاطر التي حملتها لنا منصات التواصل الاجتماعي، هو سرعة انتشار المعلومات دون تمييز الحقيقي منها وغير الحقيقي، فنجد شخصا نشر معلومة دون التأكد منها، فتنتشر كالنار في الهشيم بين الجميع وتتجاوز وتعبر الحدود والقارات، دون أن يكلف أحد نفسه بالتأكد من صحة هذه المعلومة أو مصداقيتها.
وقد يكون نشر هذه الشائعات عن قصد أو بدون قصد، وفي كلا الأمرين مضرات كثيرة تلزم كل فرد أن يقف عند مسؤوليته تجاه مجتمعه ووطنه، فلا يمكن أنن نبرر الضرر لعدم العلم أو الجهل بالأمور، إذ إن الأصل أن يتثبت الإنسان من كل ما يسمع ويرى قبل أن يكون فردا في دائرة الترويج لهذه الشائعات.
وفي ظل هذا الأمر، نجد أن المؤسسات المختلفة مسؤولة عن تعزيز الوعي المجتمعي حول الاستخدام المسؤول لمنصات التواصل الاجتماعي، وأيضا فإن المؤسسات عليها دور في الحرص على نشر المعلومات الحقيقية وتسليط الضوء على ما يتم إنجازه، وعدم ترك المجال للقيل والقال وكثرة السؤال الذي يفضي إلى خلق شائعة تتلقفها الصفحات والمنصات.
وأخيرا، للجميع حق في التعبير عن رأيه، بل إن التعبير عن الرأي يدعم مؤسسات الدولة في معرفة انطباعات الناس ويساعدها في التطوير والتصويب، لكن يجب على الجميع أن يعرف ضوابط حرية الرأي والتعبير وأن يلتزم بها.