خاص- شؤون عمانية
سيطرت وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا وتحولت إلى جزء أصيل يتم الاعتماد عليه في مختلف الأمور الحياتية والعملية والترفيهية، إلا أن هذه المنصات تشهد بعض الممارسات التي يعارضها البعض بهدف جلب المزيد من المشاهدات والتفاعلات.
ومن أبرز هذه الممارسات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، المقاطع المرئية المضحكة والتي تعتمد على “المقالب”، وعلى الرغم من أن بعضها لا يخرج عن كونه نوعا من أنواع الفكاهة، إلا أن جزءا كبيرا من هذه المقاطع يعرض حياة البعض للخطر وقد يتسبب في إزهاق الأرواح.
ويقول الكاتب والصحفي أحمد بن سالم الفلاحي: “اعتاد الناس أن يخففوا عن أنفسهم ثقل الهموم اليومية بشيء من المرح والسرور والخروج عن المألوف، وهذا أمر مباح ومطلوب، فالإنسان بفطرته المتقلبة يحتاج إلى شيء من التخفيف من حالة الالتزام الذي تفرضه عليه بعض القيم الاجتماعية، إلا أن ما يشوه صورة المرح هذه هو السلوك المبالغ في ممارسته، وذلك عندما يتجاوز الأمر حدود المقبول، ويفضي ذلك إلى أشياء كثيرة قد تكون سخرية بالآخر أو امتهانا لكرامته، وقد تكون إيذاء لمشاعره، وقد يتجاوز هذا الإيذاء إلى إيذاء الجسد بصورة مباشرة، وقد شاهدت شخصيا مقطعا متداولا حيث وضع شخص صوتا مخيفا مسجلا خلف كرسي جلوس أخيه الصغير فارتعد الطفل الصغير، وصرخ صراخا هيستيريا مما أفقده الوعي، وسقط مغشيا عليه في الحال”.
ويضيف الفلاحي: “الأمر أحيانا يتجاوز حدوده لينتقل الوضع من حالة المقبول إلى حالة المرفوض رفضا مطلقا، ولا يجب السكوت عن مثل هذه الأمور، وعلينا النصح والعتاب والرفض، وفي حال استمرار مثل هذه الممارسات يجب اتخاذ الأسلوب المناسب لمنع الشخص من القيام بأمور تهدد حياة الآخرين أو تسيء إليهم”.
ويقول الدكتور سعيد بن محمد السيابي وهو متخصص في مجال المسرح: “ظهور ما يسمى المقالب والمشاكسات هي ردة فعل طبيعية في حالة وجود الوقت الذي يضيع بدون فائدة وعدم وجود استفادة منه خصوص مع فئات الشباب الذين إذا لم تشغلهم بالمفيد شغلتهم السلوكيات والأفعال الضارة والتقليد الأعمى، بالإضافة إلى الانفتاح الي نشهده في وسائل الإعلام التي تدخل البيوت دون استئذان، ولذلك فإن منع انتشار المقابل أصبح من الصعوبة بمكان، ولكن يمكن تقنين ذلك بالتنبيه على الآثار السلبية والنتائج العكسية والثقافة الأصيلة للمجتمع التي تدعوا لفضائل القيم والأخلاق والابتعاد عن كل ما يمس حرية الأخرين وعدم التدخل في شؤونهم”.
ويتابع: “بالتثقيف الإعلامي والتفهم المجتمعي يمكن الحد من هذه الظاهرة والتقليل منها إلى أن تصبح هذه الظاهرة مستهجنة من الجميع، ومع ذلك يمكن تحويل الأمر إلى شكل إيجابي عن طريق تنفيذ هذه المقالب من قبل الجهات التثقيفية والإعلامية على هيئة برامج توعوية ومسابقات رياضية هدفها التنبيه وتسليط ضوء على سلوك مبالغ فيه أو صنع البهجة، وقد شاهدنا عددا من القنوات التلفزيونية بثت العديد منها بطرق مناسبة مثل البرنامج الياباني التحدي بمقالب إسقاط الخصم والبرنامج الكندي فقط للضحك”.
من جهتها ترى إكرام بنت الوليد زاهر الهنائية أخصائية الإرشاد والصحة النفسية والمؤسس الرئيس التنفيذي لمجموعة حياة للاستشارات النفسية والأسرية أن: “سبب انتشار مقالب وسائل التواصل الاجتماعي هو الفراغ الذي يعاني منه الأشخاص وخصوصًا في مرحلة المراهقة والشباب، وعدم وضوح الأهداف لدى هؤلاء الأفراد، ومحاولتهم فرض شخصيتهم، وإثبات الأنا، كما يعزى السبب من وراء هذه المقالب الى حب الظهور ولفت الانتباه، كما تختلف الأسباب تبعًا للشخص، فهناك من يلجأ إلى المقالب لتعويض النقص، وجذب انتباه الآخرين له، وهناك من يلجأ إلى المقالب من أجل جني الأرباح، وقد يكون أحد الأسباب هو هروبًا من الواقع، وتعويضًا للفقد والشعور بالنقص”.
وتؤكد: “من الناحية النفسية فقد يكون السبب وراء تلك المقالب على وسائل التواصل الاجتماعي، وجود أشخاص لديهم رهاب اجتماعي، والخجل من مواجهة الآخرين، فيلجؤون إلى مواقع التواصل الاجتماعي بعيدا عن الجمهور، وأيضًا من أسباب انتشار تلك المقالب هو التمرد على القيم والعادات، وفرض أفكار جديدة في ظل التكنولوجيا الهائلة والعولمة، كما أن وجود مثل تلك المقالب قد يؤدي إلى تعزيز ثقافة العنف والتنمر وخصوصًا عند المراهقين، ويؤثر على الدراسة ويؤدي إلى اضطرابات النوم، والإصابة بالأمراض، ويؤدي أيضا إلى مشكلات أسرية، وتفكك أسري، وللحد منها لا بد من توجيه الأفراد إلى صناعة محتوى ذو فائدة، والتركيز على أهمية نيل الشهادات العلمية، وبأن تلك المقالب فترة وستختفي، أيضًا لا بد من إيجاد آليات أخرى لملء فراغ الأشخاص وتوجيه طاقاتهم الكامنة كوجود ملاعب وانخراطهم بالعمل التطوعي، ولابد أيضًا من المراقبة من الدولة على تلك المحتويات وإيجاد طرق رادعة للمقالب الخارجة عن المألوف والتي تؤثر بشكل سلبيًا على ثقافة المجتمع وأفكار المراهقين”.
في السياق ذاته، يقول الكاتب والمخرج عبدالله البطاشي: “لقد وقع أصحاب هذه الظاهرة السيئة في المحظور وأصبحوا رهينة للعبث والرعونة والسقوط الأخلاقي والتعدي الهمجي على مفهوم صناعة الترفيه الذي لا يفقهون أبجدياته من خلال تصوير مقاطع الفيديو الغريبة والتي جلها تقلد عادات وتصرفات مجتمعات أخرى و يتضح جليا أن الأهداف هو السعي وراء الشهرة المجانية والزائفة للاستفادة السريعة والسهلة من ظاهرة الفوضى الإعلانية التي تجتاح المجتمعات، خاصة في ظل جهل المعلن والمعلن له بمفهوم الإعلان التجاري وأساسياته”.
ويضيف: “أصبح البعض فريسة لهوس التصوير العبثي والتعدي على خصوصية الناس والمجتمع بأي طريقة كانت وذلك لحصد مشاهدات ومتابعات من مرتادي وسائل التواصل الاجتماعية، فبتنا نشاهد مقاطع بأفكار ساذجة تحمل تصرفات وكلمات نابية تعدت الأخلاق وأساءت وشوهت العادات والتقاليد وأسس وثوابت الحياة الاجتماعية والمجتمع”.
ويذكر: “نتفق أن هذه ظاهرة عامة ليست مرتبطة بمجتمعنا فقط ولكن أيضا علينا عدم انتظار النتائج ومن ثم نقرر الحلول، فبعض التصرفات تحتاج تقنين وتوعية، وقد تكون إفرازاتها طويلة الأمد خاصة للنشء، خاصة في إشكالية إتاحة المجال لظاهرة التصوير والنشر بلا رقيب أو حسيب ستكون عليها تبعات وأضرار سواء لمن يصور أو حتى للعامة من أفراد المجتمع، فالغالبية من المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي لا علاقة لهم بالعمل الإعلامي ولا ثقافة لديهم حول ما هو يجوز أو لا يجوز في العرف الإعلامي، وبالتالي فإن تداعيات هذا المجال إن لم يتم التعامل معه بحذر ستكون كارثي، وهنا يأتي دور الجهات المعنية لتأطير المسألة بقوانين ومحاذير متعارف عليها خاصة في ما يتعلق بالأخلاق والهوية الوطنية”.
وتقول الكاتبة إيمان فضل: “إذا نظرنا للأسباب ففي نظري هناك سببان أساسيان، أولا غياب أو قلة المحتوى الجذاب الهادف لفئات عمرية ومتنوعة، والثاني عدم جود خطة ارتقاء بالذائقة العامة التي تؤدي إلى ارتقاء ثقافي وفكري على مدى طويل، فمع وجود أوقات فراغ غير مستغلة، تصبح وسائل التواصل أسهل وأسرع طريقة لقضاء وقت الفراغ، ويصبح التقليد دون قيود، وللحد من هذه الظاهرة لابد من إيجاد حاجز أو خطة للارتقاء بالذائقة العامة وكأول خطوة في الخطة علينا أن نتوقف عن مشاهدة كل مقطع لا نرضاه لأنفسنا كي لا نعتاد ولا ندعم هذا محتوى، ثم نروج البديل الجذاب والمُلهم”.