آمنة بنت محفوظ المعولية
يعد تفاوت القدرات الاستيعابية بين الطلبة أمر طبيعي في مختلف الجوانب، وهذا التفاوت منه ما يتصل بالقدرات اللغوية وخصوصا في المراحل الدراسية الأولى ومنه ما يتصل بقدرات أخرى، ولذلك فإن الكشف المبكر عن هذه المشكلة والعمل على علاجها أمر مهم.
وفي الماضي كان يساء فهم مصطلح صعوبات التعلم ويعتبره البعض على أنه اضطرابات عقلية ونفسية ليتحول الطفل إلى ضحية ينظر لها المجتمع بنظرة غير منصفة.
أحد الأطفال يدعى جمال، هو ضحية من بين عشرات ضحايا صعوبات التعلم، والذي تم تشخيصه بأنه يعاني من فرط النشاط وتشتت الانتباه، مما سبب له الإحباط وعدم الرغبة في مواصلة الدراسة، على الرغم من ذكائه الحاد وذاكرته القوية، وقد وصل جمال الآن إلى العشرينيات من عمره وهو لم يتلقَ المساعدة الكافية التي تؤهله بأن يندمج في المجتمع ويساهم بمهاراته وكفاءاته وذكائه في بنائه.
ماجدة هي الأخرى ضحية من الضحايا التي تم تشخيصها من قبل مستشفى ابن سينا سابقا (المسرة الحالية) بأنها تعاني من إعاقة عقلية بسيطة جدا، ولم تحصل على حقها في المتابعات أو الحصول على الأدوية وتكم صعوبتها فقط في نطق بعض الحروف ومعرفة الأرقام بطريقة صحيحة، علما بأن عائلتها ومن حولها يرون أنها إنسانة طبيعية تمتلك العديد من المهارات العقلية المذهلة، وكانت محاطة ببيئة عائلية تشجعها كثيرا، ومرت السنوات ولم تحصل على أية مبادرات لتعليمها، تخصصت أختها بعد ذلك في صعوبات التعلم وبدأت بتدريسها وتحسنت قليلا في نطق بعض الحروف، ولكن بسبب تأخيرها في تلقي التعليم المناسب كانت الاستفادة قليلة عما لو كانت في عمر مبكر.
يحتاج الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم إلى مزيد من العناية والاهتمام والصبر والمتابعة من قبل العائلة على وجه الخصوص، ومن المجتمع بأكمله على وجه العموم، في ظل وجود العوامل المؤهلة والمتميزة من الكوادر التربوية وطرائق التدريس المبتكرة، التي بدورها تؤدي إلى تغيير نظرة وتعامل المجتمع مع هذه الفئة المستحقة للدعم.
ماهي صعوبات التعلم؟
يعرّف الدكتور خليل بن ياسر البطاشي، المتخصص في معالجة صعوبات التعلم ومؤلف كتاب برنامج التأهيل اللغوي، صعوبات التعلم بأنها عبارة عن قصور وظيفي في المراكز المسؤولة عن عمليات التعلم في دماغ الإنسان.
ويعد مفهوم صعوبات التعلم مفهوما شاملا لجملة من مشكلات صعوبات التعلم مثل صعوبة القراءة وعسر الكتابة، وعدم القدرة على المسائل الرياضية، وتشتت الانتباه، والنسيان وصعوبة استيعاب المصطلحات.
وتقول الأستاذة عطية المعولية أستاذة صعوبات التعلم بمدرسة النبراس للتعليم الأساسي بولاية السيب، أن أكثر حالات صعوبات التعلم يتم اكتشافها في الصف الثاني الابتدائي، وتفيد الإحصائيات المنشورة مجملا أن نسبة الذكور الذين يعانون من هذه المشكلة أعلى من الإناث.
وتضيف: “يتم تصنيف الطالب فيما إذا كان من فئة صعوبات التعلم أم لا عبر اختبارات تشخيصية إلا أنها غير دقيقة، وكل صعوبة تعلم معينة لها خطة علاج فردية محددة.
كما أن الدكتور البطاشي يؤكد أنه لا يمكن توحيد الخطة؛ إذْ إن لكل حالة ظروفها الخاصة، كما أن الاختبار التشخيصي لصعوبات التعلم ينقسم إلى جانبين: الجانب النمائي (الانتباه – الإدراك – الذاكرة) والجانب الأكاديمي ( القراءة – الكتابة – اللغة الشفوية).
وبينت الاستبانة التي أعدها التحقيق أن اكتشاف صعوبات التعلم التي يعاني منها الأبناء كان من قِبل الوالدين بالدرجة الأولى، وقد أشار 40% ممن شملتهم الاستبانة إلى أنهم متساوون في صعوبات التعلم بالنسبة للغتين العربية والإنجليزية على حد سواء، الجدير بالذكر أن التأتأة تعد من صعوبات التعلم، حيث تندرج تحت اضطرابات النطق والتخاطب.
دور الأسرة
ورغم وجود فئة قليلة من أولياء الأمور لا تتقبل الفكرة، ولكن في السنوات الأخيرة يوجد تفاعل وقبول للاعتراف بهذه المشكلة والعمل على معالجتها، بحسب إفادة الأستاذة المعولية، وهذا ما أكدته مديرة مدرسة النبراس للتعليم الأساسي أن غالبية أولياء الأمور متعاونون ومتجاوبون، حيث تقع على عاتق ولي الأمر مسؤولية جسيمة تجاه أبنائهم من ذوي صعوبات التعلم من حيث التعاون المشترك والمتابعة المستمرة بين معلم الصف والطالب ومعلم البرنامج وولي الأمر، إذْ يبدأ دور ولي الأمر بتقبل المشكلة وجعل الطالب نفسه يتقبل الموضوع، ثم المشاركة في خطة المعالجة، إضافة إلى التعزيز النفسي، وإعطاء فرص ومساحات للطالب لممارسة المهارات الأكاديمية المستهدفة بالمعالجة.
وفي هذا الصدد ترى أم آية التي تعاني ابنتها من صعوبة القراءة وحل المسائل الرياضية، أهمية الوقوف معها ومساندتها. من جانبها تؤيد أم رسل التي تم تشخيص ابنتها بأنها تعاني من النسيان وصعوبة الاستيعاب أهمية دور الأسرة، إضافة إلى دور المتابعة، والاستعانة بالمعلم الخصوصي.
وعلى صعيد آخر، تبين أن نصف الطلبة من ذوي صعوبات التعلم الذين شاركوا في الاستبانة التي أجراها التحقيق، يعانون من التنمر بعدة أشكال، من ضمنها المقارنة والتعدي على ممتلكات الطالب بحسب إفادة أم آية، وفي بعض الأحيان يصل الأمر للسخرية والاعتداء بالضرب كما ذكرت أم يعقوب، والذي يعاني ابنها من تشتت الانتباه والتركيز.
المسببات الجذرية لصعوبات التعلم
تأتي العوامل الوراثية الاجتماعية والأسرية والنفسية والظروف المصاحبة لما قبل الولادة وأثنائها في صدر قائمة المسببات لصعوبات التعلم، وتلفت الأستاذة المعولية النظر إلى أن هذه الصعوبات غير متعلقة بالإعاقات العقلية بكل أنواعها، فالطالب الذي يعاني من صعوبات التعلم هو طالب طبيعي يحتاج فقط إلى خدمات تربوية وخطة علاجية فردية.
من جانبها أشارت مديرة المدرسة إلى أنه تم توفير البيئة المناسبة والوسائل اللازمة لنجاح برنامج التأهيل اللغوي، وذلك عن طريق توفير قاعة دراسية بجميع مستلزماتها المطلوبة، وكذلك متابعة سير البرنامج مع طبيعة صعوبات التعلم عن طريق الزيارات الإشرافية من قبل المختصين بالمدرسة إضافة إلى المشرفة التربوية.
ماهية برنامج التأهيل اللغوي
ويعتبر برنامج التأهيل اللغوي جزءا من برنامج صعوبات التعلم، حيث إن هناك مواءمة بين برنامج صعوبات التعلم وبرنامج التأهيل اللغوي تم تطبيقه لهذا العام الدراسي ٢٠٢٣/٢٠٢٢م بعد أن تم تجريبه في المدارس الحكومية في سلطنة عُمان، ثم تطبيقه على مئات الطلاب، وأثبت فاعليته في عمليات المعالجة، حيث إنه يهدف إلى معالجة الطلاب المتأخرين في اكتساب المهارات اللغوية، وطلاب ذوي صعوبات التعلم واضطرابات النطق والتخاطب، بما في ذلك المشكلات النوعية في القراءة والكتابة (الديسلكسيا – الديسجرافيا).
كما يركز البرنامج على معالجة الاضطرابات في العمليات النمائية؛ لرفع قابلية الطالب وقدرته على التعلم، ثم تمكين الطالب من قراءة النصوص العربية بطلاقة، وكتابة النصوص إملاءً مع التركيز في أثناء العمل في البرنامج على اللغة الشفوية.
ويشير المختصون إلى أن البرنامج يتميز بالفاعلية العالية، ويعالج المشكلات اللغوية في مدة زمنية وجيزة تتراوح بين ( 4 – 6 ) أشهر، حيث إن الطالب يعود بعد البرنامج قادرا على التعلم والقراءة والكتابة، ويمتلك قابلية عالية لتحقيق أهداف المواد الدراسية المختلفة، ويمتاز أيضا بالسهولة واليسر في التطبيق، ولا يحتاج إلى مؤهلات عالية، فبعد الورشة الأساسية التي تقام خصيصا لتأهيل الكوادر المعنية بتنفيذ البرنامج، وبالتالي يكون المعلم قادرا على التطبيق.
وتقول الأستاذة المعولية إن البرنامج يتميز بعدة مميزات مثل أن الطالب يتعلم مهارات اللغة ذاتيًّا دون تدخل مباشر من المعلم، وذلك عبر البرنامج الرقمي، حيث يبقى دور المعلم في المراقبة والتقييم لكل جزء يتعلمه الطالب، وكذلك يمكن استخدام البرنامج في نظام التعليم المباشر في الصفوف الدراسية أو التعلم المدمج أو التعلم عن بُعد، وهو عبارة عن حزمة جاهزة للعمل، وتقدم حلًّا سريعًا ومريحًا ومركّزًا لمشكلة تؤرق كثيرا من الأنظمة التعليمية، فلا تعلم دون قراءة وكتابة.
من جانبه بيّن الدكتور البطاشي أن البرنامج يستهدف 5-7 طلاب في كل جلسة علاجية، ويحتاج الطالب ذو الصعوبات المتوسطة إلى 32 ساعة عمل حتى يحقق أهداف المعالجة، وعلاوة على ذلك فإن المعالجة تكون على نمطين: أنشطة فردية، وأخرى جماعية.
وعما إذا ما كان البرنامج قد حقق النتائج المتوخاة منه، تشير الاستبانة إلى أن 42% فقط ممن شملتهم الاستبانة التي أجراها التحقيق قد التحقوا ببرنامج تأهيلي لمدة تتراوح بين شهر إلى سنتين، حيث تم اتباع عدة وسائل ناجعة وذلك لمعالجة الصعوبات لديهم، كما تم تعليمهم القراءة عبر وسائل متنوعة، وبرامج تفاعلية، واختلفت مدة البرنامج لكل طالب على حسب الصعوبة التي تم تصنيفها له.
وتوضح أم آية أن ابنتها قد تحسنت في الأداء وقابليتها للتعلم أصبحت أفضل عن قبل، إلا أن الأغلبية من طلاب صعوبات التعلم ممن شملتهم الاستبانة لم يلتحقوا بأي برنامج تأهيلي، وهذا أمر يستدعي تدخلا عاجلا من ذوي الاختصاص.
وتشير الاستبانة إلى أن جميع طلاب صعوبات التعلم الذين شملتهم الدراسة كانوا يشعرون بالحزن عندما تم تشخيصهم بأنهم من ذوي طلاب صعوبات التعلم، ولكن فور التحاقهم بالبرنامج التأهيلي بدأت عليهم علامات التطور في المستوى يوما بعد يوم، وأنهم قد تجاوزوا جزءا كبيرا من الصعوبات.
تضافر الجهود
من الأهمية بمكان أن تكون هناك بيئة مدرسية داعمة لطلاب صعوبات التعلم، بحيث تمتلك المعرفة الأساسية بأهم أعراض صعوبات التعلم، والتعامل الصحيح إزاء كل حالة، مع اتخاذ إجراءات عملية ملائمة لكيفية إبلاغ الأهل عن أبنائهم من ذوي صعوبات التعلم، وهذا ما أشارت إليه مديرة المدرسة من خلال الاستبانة، حيث يتم التواصل مع ولي الأمر لإخباره بطريقة لائقة عن حالة الطالب؛ تجنبا لأية تداعيات غير محمودة، وذلك عن طريق الأخصائية الاجتماعية بالمدرسة، وعموما فأولياء أمور الطلبة متجاوبون إلى حد كبير فيما يتعلق بأبنائهم من ذوي صعوبات التعلم سلوكيا وتحصيليا، ويتم تنويع اللقاءات بين الفردية والجماعية من خلال لجنة شؤون الطلبة بالمدرسة أو إدارة التربية والتعليم.