مريم الشكيلية
يقول علي الطنطاوي: لا أعرف أمة في الدنيا يجهل أبناؤها لسانها جهل أبناء العرب بلغة العرب، ويقول ماركيز: الأبناء يرثون جنون آبائهم.
هناك الكثير من المقولات التي ذكرت في الكتب عن الأبناء وتربيتهم ومسارات التنشئة الصحيح، ولذلك أريد أن أشارك القارئ بعض اللمحات حول هذا الموضوع المهم لأنه موضوع كبير ومتشعب، ويتمحور حول تعليم الأطفال هويتهم العربية بلغتهم الأم، والأخطاء التي وقع فيها البعض حين نشأ الأبناء على تعلم لغات وهويات أخرى لدواع وحجج واهية كفيلة بقتل انتمائهم.
يولد الأطفال بفطرة ناصعة البياض سليمة نقية لا يشوبها شائبة كالماء الصافي العذب، وعندما تسير بهم الأيام وهم في أحضان آبائهم وأمهاتهم والمحيطين بهم تبدأ عملية تشكلهم وتعليمهم وتكيفهم مع بيئتهم، التي تعد المصدر الأول لهم والوحيد في بداياتهم الأولى من الحياة، لذلك نجدهم يتعلمون من عائلتهم الإشارات الأولى لهم من حديث وإيماءات وسلوك.
إن الوالدين هم المسؤولون عما يتعلمه الأبناء وما يكتسبوه لتشكيل هويتهم وعقليتهم وسلوكهم، لكن مع الأسف الشديد وما يشكل صدمة للبعض أن بعض الآباء يتعاملون مع الأبناء على أنهم شيء مادي أو ماركة من أغلى الماركات يريدون التباهي بها وذلك عبر غرس لغات أخرى وهويات غير هويتنا العربي في عقول الأبناء معتقدين أن اللغة الأجنبية هي التطور والرقي، وأن التحدث بها يجعلنا من الطبقات الراقية ومميزين عن غيرنا.
ومع ذلك، يجهل الآباء أن اللغة الأجنبية هي لغة أوجدها الله تعالى لتمييز الشعوب بعضهم عن بعض، وهي سر من أسرار الله تعالى في الخلق، ويتناسون تعليم أطفالهم لغتهم الأم، اللغة العربية الرفيعة التي كرمها الله تعالى بأنها لغة القرآن، وهي لغة مجتمعاتهم وبيئتهم وهويتهم.
والغريب أن الآباء يعتبرون أن اللغة العربية هي لغة رجعية لا تتناسب مع مستواهم الراقي وطبقتهم العليا، وهم في الحقيقة لا يدركون ما يفعلون بأطفالهم ولا المستنقع الذي يضعونهم فيه بسبب الاعتقاد الخاطئ.
لست ضد تعليم الأطفال لغات مختلفة، فأنا أدعو لذلك كوننا نعيش في عالم متداخل ومرتبط بعضه ببعض، عالم أصبح قرية صغيرة وأصبح تعليم اللغات الأخرى استفادة له ولمستقبله، حتى في المدارس يتعلم الطالب لغة أخرى غير لغته وهذا مما يتطلبه العصر، ولكن أتحدث هنا عن الذين يحولون أطفالهم لواجهات مزخرفة ومادية، كأنهم يقولون للآخرين نحن لا نشبهكم، هؤلاء الذين يسعون لدمار أبنائهم على حساب طبقتهم التي يرونها طبقة راقية، فهم يملؤون عقول الأطفال وفكرهم بكلمات أجنبية ليس بقصد التعلم وإنما بقصد التباهي والتعالي على الآخرين.
إن الضحية الأولى في هذا المسار هو الطفل وحده، لأنه يصبح مشتتا وضائعا بين هويات مختلفة، وقد يصل الأمر إلى إصابة الطفل بالعزلة لأنه سيشعر أنه مختلفا عن أقرانه وقد يتعرض للتنمر أو السخرية ما يسبب له عقدا نفسية واجتماعية تجعله يعزف عن المشاركة مع العائلة أو الأصدقاء في أي مناسبات، وقد يمتنع عن الذهاب للمدرسة.
لذلك، يجب أن يحرص الآباء على هوية أبنائهم وأن يدركوا أن الأبناء أمانة وهم مسؤولون عنها.