أحمد بن سليمان الكندي
هناك جهود حكومية وأهلية مقدرة لإنشاء المجالس العامة في كل ولاية من ولايات السلطنة، بل حتى على مستوى المناطق السكنية داخل كل ولاية، ولا شك أن لهذه المجالس أهميتها في خدمة الولاية باعتبارها مقرا لاجتماعات الأهالي في الأفراح والأتراح، وهي واجهة حضارية طيبة تعكس حرص الأهالي على ظهور مجالسهم العامة في أفضل صورة.
إنه مما ينبغي الإشارة إليه أن مجالسنا العامة استطاعت بفخر أن تواكب النقلة الحضارية للحياة المعاصرة، وباتت تتميز بالرحابة والأناقة والنظافة والتنسيق والتجهيز الجيد، الأمر الذي يجعلها مظهرا شاهدا على التعاضد الاجتماعي في المجتمع العماني، والشعور بالانتماء واللحمة بين أفراد الولاية، والحرص المتأصل لدى المواطن العماني على خدمة المجتمع، والمساهمة بين وقت وآخر لإنجاز ما يحقق مصلحته، ولا شك أن هذا التعاضد وهذا الانتماء وهذا الحرص يظل من أهم ما يمتاز به مجتمعنا العماني مقارنة بدرجات هذا السلوك في المجتمعات الأخرى.
وفيما يتعلق بإنشاء هذه المجالس فإننا كثيرا ما نطالع إعلانات تدعو إلى جمع التبرعات النقدية اللازمة لبنائها، والتي قد تصل في المتوسط إلى ما لا يقل عن مائة ألف ريال عماني، ناهيك عن بعض المجالس التي يفرض حجمها إنفاق أضعاف هذا الرقم.
إننا ونحن نعيش ضمن عالم يدعو اقتصاديا إلى توفير الموارد، والحرص على تحقيق أعلى قيمة مضافة لأي مشروع، فإن السؤال الذي يبرز فيما يتعلق بهذه المجالس- وهي في إطارها التقليدي الحالي- هل تحقق مجالسنا العامة القيمة المجتمعية المضافة التي تتناسب مع حجم ما أنفق عليها؟ وهل ثمة ما يمكن فعله لزيادة فاعلية هذه المجالس وزيادة تأثيرها الإيجابي على المجتمع؟
إنه من الملاحظ حاليا- إلا فيما ندر- عند التخطيط لإنشاء هذه المجالس، أن التخطيط لم يزل تقليديا محضا يقوم في الأساس على نقل التجربة من الآخرين كما هي دون النظر في التطوير لزيادة الفاعلية وزيادة الأثر الاجتماعي ورفع القيمة المضافة المحصلة من إنشاء هذه المجالس، وهكذا يولد مجلس عام جديد تظل أبوابه مؤصدة، ولا تفتح إلا في المناسبات وفي ساعات وأيام معدودة، وهو ما يعد إهدارا للموارد، وضعفا في التخطيط الحصيف الذي ينبغي أن يوضع لتوظيف هذا المجلس لخدمة المجتمع.
إن التطوير الأول المطلوب عند إنشاء هذه المجالس هو ما يتعلق بتطوير النظرة إلى هذه المجالس لتكون نظرة أكثر شمولا، نظرة تخرج المجالس العامة من مفهومها التقليدي كمجالس عزاء أو مجالس عقد قران، وترتقي بها إلى مستوى المراكز الثقافية والاجتماعية والرياضية الشاملة التي تسهم مع الجهات الأخرى في رفع مستويات الحياة في شتى مجالاتها، وذلك في ظل تكامل محمود في الرؤى تلتقي فيه الجهود وتتحد الأفكار لتحقيق الأهداف المشتركة، وعلى هذا فإنه من الأفضل أن يتم العمل على أن تتضمن مجالسنا العامة مكتبات زاخرة بأمهات الكتب في شتى صنوف المعرفة، ومرافق وساحات وملاعب رياضية يتدرب فيها الشباب، وقاعات للدروس والمحاضرات، وأخرى لإقامة الورش التدريبية، وليس بغريب أن تتضمن مجالسنا مقاهي وساحات خضراء وساحات لعب للأطفال، وإذا ما توفرت هذه المرافق فإنه يمكن عندها تنظيم مختلف الأنشطة العلمية والاجتماعية والرياضية، ويمكن عندها أيضا إقامة مختلف المنافسات على مستوى المجالس داخل الولاية أو على مستوى المجالس العامة بين الولايات، الأمر الذي ينشط كثيرا من التفاعل الإيجابي الفعال بين أبناء المجتمع، ويمكنهم من تبادل المعرفة والخبرات التي تكسبهم زادا ثمينا في مستقبل حياتهم.
أما التطوير الثاني الذي يجب أن يؤخذ به عن التخطيط لإنشاء هذه المجالس فهو ما يتعلق بتوفير موارد مالية تكون قادرة على توفير متطلباتها المادية لتنفيذ أنشطتها المختلفة، وتستغني به عن جمع التبرعات، وعلى هذا فيجب عند التخطيط لإنشاء هذه المجالس أن تتضمن إنشاء مرافق تجارية تعود بدخل شهري كاف لتغطية هذه المتطلبات، كما أن وجود هذه المرافق التجارية في المخطط العام للمجلس يغني عن مهمة جمع التبرعات المالية اللازمة للبناء، وذلك إذا ما طرحت هذه المرافق التجارية للاستثمار، بحيث يستحوذ المستثمر على جزء من دخل هذه المرافق في مقابل أن يتولى بناء المشروع.
إن إعادة هيكلة مجالسنا العامة وفقا لهذه التطوير المنشود لا شك من أنه سيؤتي أكله الطيب، ويحقق القيمة المجتمعية المضافة التي ننشدها جميعا، ويوظف الموارد المالية بفاعلية أكبر، وهو المطلب الذي صار أكثر إلحاحا في وقتنا الحاضر.