أحمد بن سليمان الكندي
يناقشون فكرة تخفيض أيام العمل الأسبوعية إلى 4 أيام بدلا من 5 أيام، وفي رأيي الأمر يحمل طابعا استباقيا يجعل منه أمرا مربكا على مستوى الطرح نفسه بغض النظر عن مضمونه.
إن الأمر في نظري يشبه أن تفكر مثلا أن تدعو الله أن يرزقك ولدا وأنت لست متزوجا، أو أن تأمل في أن تصل إلى المريخ وأنت عالق في حفرة تحت الأرض. إنه ترتيب غير منطقي لما ننشده من تطوير في مؤسسات العمل لدينا.
وإذا كان من ينادي بهذا التغيير يجعل من تحقيقه مؤشرا على تطور مؤسساتنا، فربما ينطبق عليه بيت الشعر:
أوردها سعد وسعد مشتمل … ما هكذا يا سعد تورد الإبل
وفي هذه الحالة فإن الأمر لا يعدو في نظري إلا مجاراة لما هو مطبق لدى الآخرين، ومحاولة لاجترار تجارب نأخذ منها قشورها الملونة الجميلة، ونتغاضى عن المدخلات الضرورية اللازمة لها.
وتأصيلا للموضوع، فإن منظومات العمل الحديثة بات النظر فيها إلى الزمن أمرا هامشيا جدا، فأنت لست مطالبا بالعمل كذا ساعة في اليوم وكذا يوم في الأسبوع، بقدر ما أنت مطالب بتحقيق ما أنت مطالب به من واجبات ومسؤوليات.
وعلى هذا، فتخفيض أيام العمل ليس له علاقة بتطوير العمل، ولا ينبغي أن ينادى به لكي يكون مظهرا لمنحى التطور في مؤسساتنا.
إنها القيادة بالأهداف يا سادة، حقق أولا الأهداف المطلوبة منك وحقق الإنتاج المحدد، وتمتع بعدها بوقتك كما تحب، وما ينطبق على الزمان ينطبق كذلك على المكان، فطالما تقوم بعملك على أفضل وجه، فلا يهم أين هو مكانك.
إن ما نفتقده فعلا في مؤسساتنا وخاصة المؤسسات العامة هو أدوات قياس أداء الموظف، والمعايير التي تتعلق بذلك، ومتى استطعنا تحقيق ذلك نستطيع بعدها مناقشة موضوع الزمان والمكان كيفما شئنا.
إن الأمر برمته مرتبط بالإنتاجية التي يجب أن تكون المحك الأول لقياس أداء الموظف ثم هي نفسها يجب أن تكون المحك الأول لمستوى المؤسسة.
وعلى هذا فكل ما يدفع بالإنتاجية إلى الأمام فهو مطلوب ومرغوب ويجب الاهتمام به وتطبيقه، وكل ما يؤثر سلبا على الإنتاجية فيجب رفضه والتحفظ عليه.
هذا هو الأمر بمنتهى البساطة، الإنتاجية ولا شيء غيرها.
فمتى غابت أدوات قياس إنتاجية الموظف ولم نستطع تحديد مستوى كفاءته ولم نعلم كم من الأعمال التي يكون قادرا على أدائها في إطار زمني محدد، فلا ينبغي أبدا القفز على هذا ومناقشة تخفيض أيام العمل، وإلا فإننا سنفتقد عندئذ المعطيات الصحيحة التي ينبغي أن يبنى عليها القرار.