خاص- شؤون عمانية
من المفترض أن تعمل الحكومات على توفير الخدمات للمواطنين سعيا نحو تحقيق الراحة والرفاهية لهم والعيش الكريم الذي يستحقونه في وطنهم، وفي ظل مساعي الحكومات لتحقيق ذلك، تخضع كل الخدمات المقدمة إلى تقييم المواطنين باعتبارها خدمات مرتبطة بحياتهم اليومية، بالإضافة إلى المطالبات بتوفير خدمات أخرى يفتقدونها.
وبين تقييم الخدمات الموجودة والمطالبة بخدمات أخرى، تظهر أحيانا حالات من “عدم الرضا” أو النقد، وهذا الأمر يعتبره البعض “حالة صحية” وآخرون يصنفونه على أنه “تذمّر غير مبرر”. ولذلك متى يمكن أن تكون حالة “عدم الرضا” صحية؟ وكيف يمكن التحكم في هذه الحالة حتى لا تصبح طباعا دائمة لا يستطيع المواطن الانفصال عنه؟
يشرح الدكتور حمد بن ناصر السناوي، استشاري أول الطب السلوكي بمستشفى جامعة السلطان قابوس هذه الحالة قائلا: “عندما نتصفح المواقع الإخبارية في برامج التواصل الاجتماعي تصادفنا أحيانا تعليقات القراء التي يتسم أغلبها بالتذمر أو التهكم أو السخرية، حتى أصبحت هذه المشاعر السلبية تطغى على معظم تلك التعليقات ناهيك عن محتوى تلك الاخبار، فبعض التذمر يمكن أن يكون منبعه مبدأ الاستحقاق الذي يتبناه البعض خاصة أولئك المطالبين بأفضل الخدمات دون أن تكون لديهم أي دراية بكيفية توفيرها، أو المتذمر من زحمة الشوارع خلال الفترة الصباحية مثلا دون أن يكلف نفسه الاستيقاظ مبكرا والخروج قبل الزحمة، ولنكن منصفين فإن بعض التعليقات وإن بدت كأنها نوع من التذمر إلا أنها تهدف إلى جذب الانتباه نحو موضوع معين ليقوم القارئ أو الجهات المسؤولة بتحسن الخدمات، ويحضرني مشاهد الصور التي ظهرت خلال إجازة العيد الوطني لأشجار السمر وقد تم كتابة أسماء الأشخاص الذين يحجزونها خلال الإجازة إشارة إلى شح الفعاليات الترفيهية خلال الإجازة، هذا التعليق يشرح واقعا أليما عبر عنه القارئ بأسلوب طريف”.
ويضيف السناوي: “في بعض الأحيان نجد التعليقات تكون أقرب إلى التنمر خاصة عندما يتضمن الخبر تصرفا لشخص بعينه، ولعل اختباء المعلقين خلف الأسماء المستعارة أو تعدد المتنمرين يشجع الآخرين على المشاركة في تلك التعليقات الساخرة والتي تصدر من مختلف الفئات العمرية، ولعل أفضل طريقة للتقليل من الانتقادات هو أن يحاول كل فرد أن يساهم بحلول معينه كل حسب طاقته، وكما يقول المثل العربي: بدل أن تـلعن الظلام أوقد شمعة”.
ويرى الكاتب حمدان البادي أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مقياسًا لحالة الشعور بالرضا من عدمها، موضحا: “تويتر على سبيل المثال يعد المنصة التي يبوح فيها المواطن عما يشعر به والتي تأتي بالعادة في سياق عدم الرضا، حيث إن مثل هذه المواضيع تحقق لصاحبها حضورا جماهيريا كبيرا، بدأ ما يسمى بـاللايكات أو الإعجاب والتفاعل مع الطرح وصولا إلى تداول التغريدة على تطبيق الواتس آب والمنصات الإخبارية الأخرى”.
ويتاع: “مهما اتفقنا أو اختلفنا في الطرح فهو بمثابة تجربة شخصية ليس بالضرورة أن يمكن إسقاطها على الجميع، لكن المشكلة حين يصل الأمر إلى نطاق الإيذاء اللفظي الذي يمس أشخاصا آخرين وإلقاء التهم دون بيّنه، ويصل الأمر لجلد الذات والتقليل من منجزات الوطن لتجربة شخصية غير قابلة للتعميم”.
ويؤكد: “نعم هناك قصور في الكثير من الخدمات وسيظل هذا القصور موجودا لأنه يأتي في سياق التطور والتقدم الذي يشهده العالم، ونحن كأفراد ننشد الكمال لكن يجب أن لا نتوقف عند بعض التحديات، وعلينا ان نبحث عن الحلول والإمكانيات المتاحة التي يمكن أن نجتاز من خلالها تلك التحديات، وفي الأصل نحن جزء من الحل ويجب أن لا نكون جزءا من المشكلة وعلى كل واحد منا أن يؤدى الأمانة على أكمل وجه في موقع عمله لتقليل القصور ولو فعل الجميع ذاك بضمير المسؤولية الفردية والمجتمعية لحققنا نوعا من التكامل الذي قد نرضى عنه، ولا اعتقد ان الرضا قد يتحقق لكن بالشكر والقناعة تدوم النعم”.
من جانبها تقول أمل الريامية، رئيسة لجنة الاستدامة المجتمعية بجمعية المرأة العُمانية بالبريمي: “أنا مع النقد البّناء الذي يصب في مصلحة الوطن والمواطن، ومن حق المواطن أن يكون له صوت يطالب من خلاله بأبسط حقوقه في وطنه وهو العيش الكريم، والذي يتمثل في توفير الخدمات التي تجعل حياة المواطن مريحة وميسرة، والخدمات تتمثل في الحاجات الأساسية اليومية لكل إنسان، وحالة عدم الرضا هي حالة سائدة إذا لم تتوفر الخدمات التي يطمح لها المواطن، وقد نربط حالة عدم الرضا هنا بالنقد البنّاء من أجل حث الجهة المعنية بتقديم الخدمة نحو الإسراع في إنجاز خدماتها التي تقدمها للمواطن، ولا أعتبر هذا تذمرا بل أعتبره مطالبة بحق المواطن وهي ظاهرة صحية وتساهم في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة له”.
وتؤكد: “أما إذا كانت الخدمات بشكل عام متوفرة فلا أرى داع لإثارة الرأي العام والتذمر، فحالة عدم الرضا الدائمة مدمرة للأوطان والشعوب وإنما التكييف مع ما هو موجود من أجل الصالح العام وعدم إثارة الشارع العام والتأثير على الرأي العام من خلال ترك الكل والتركيز على الجزء، وبالتالي لابد من توجيه المواطن نحو ثقافة المطالبة بحقوقه والمتمثلة في الخدمات المقدمة له وعدم استخدام أسلوب الجمع وإنما التخصيص أثناء مطالباته”.