أحمد بن ناصر الراشدي
الاستعراض الدوري الشامل UPR هو استعراض لسجلات حقوق الإنسان لدى جميع الدول التي تمتلك عضوية في الأمم المتحدة، وهو أيضا عملية تحركها الدول برعاية مجلس حقوق الإنسان، وتوفر لجميع الدول الفرصة لكي تعلن الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في بلدانها والوفاء بالتزاماتها في هذا المجال.
والاستعراض الدوري الشامل، باعتباره أحد المعالم الرئيسية لمجلس حقوق الإنسان، مصمم لضمان معاملة كل بلد على قدم المساواة مع غيره عند تقييم أوضاع حقوق الإنسان في البلدان. وقد أُنشئ الاستعراض الدوري الشامل عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 مارس 2006 بموجب القرار رقم 60/251 الذي أنشأ مجلس حقوق الإنسان ذاته، كما أنه أحد العناصر الرئيسة للمجلس الذي يذكر الدول بمسؤوليتها عن احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وإعمالها بشكل كامل.
والهدف النهائي لهذه الآلية هو تحسين وضع حقوق الإنسان في جميع البلدان والتصدي لتجاوزات حقوق الإنسان أينما تحدث. ويعتبر الاستعراض الدوري الشامل آلية حكومية تعاونية، تشارك فيها الدول على قدم المساواة تحت رعاية مجلس حقوق الإنسان كما يمكن للمجتمع المدني أن يساهم فيه كذلك.
ويوفر الاستعراض لجميع الدول الفرصة مرة كل أربعة سنوات، لكي توضح وضع حقوق الانسان لديها والتحديات التي تواجهها، كما يمكّنها من الإعلان عن الإجراءات التي اتخذتها أو ستتخذها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في بلدانها وللوفاء بالتزاماتها بغض النظر عن مدى مصادقة/انضمام الدولة للاتفاقيات الدولية من عدمها، ويعتبر الاستعراض الدوري الشامل من الآليات غير التعاقدية.
ويأتي الدور كذلك على المؤسسات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني في كتابة تقارير ضل مكملة وموضحة، بعد اطلاعها على تقرير الدولة المقدم لمجلس حقوق الانسان، بحيث ينبغي على الدولة تقديم تقريرها في وقت معين وبعد ذلك يتم إتاحة الفرصة للمؤسسات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني للاطلاع على التقرير وكتابة تقارير الضل المكملة أو الموضحة أو المصححة أو المفسرة لتقرير الدولة.
وهناك نوعان من التقارير التي تقدمها الدول إلى مجلس حقوق الإنسان، منها التقارير الحكومية وهذه التقارير تنفرد بها الحكومة وسلطتها التنفيذية في كتابتها دون إشراك أي طرف آخر، والتقارير الوطنية وهذا النوع من التقارير تقوم فيه السلطة التنفيذية (الحكومة) بإشراك جميع المؤسسات داخل الدولة في إعداد وصياغة وكتابة التقارير المتعلقة بالاستعراض الدوري الشامل؛ وهذا النهج الذي تتبعه سلطنة عمان، حيث إن السلطنة تقوم بتشكيل لجنة وطنية ممثلة ببعض الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني واللجنة العمانية لحقوق الإنسان لكتابة وصياغة هذا التقرير، ولكن هذا لا يمنع من قيام مؤسسات المجتمع المدني الأخرى والمؤسسات الوطنية من كتابة تقرير الضل مثل ما ذكرنا سابقا.
تقوم الدولة باستعراض كافة الأمور المتعلقة بحقوق الانسان في جميع المجالات من حيث التشريعات والممارسات والتوعية والتثقيف وغيرها من الآليات المنفذة والتي بدورها تعكس مدى احترام الدول الأعضاء لمبادئ حقوق الانسان.
وفي ختام مناقشة دولة معينة لتقريرها تقوم الدول الأعضاء بتقديم توصيات لتلك الدولة (والدول الأعضاء أقصد هنا مندوبو الدول في الأمم المتحدة بجنيف).
وبما أن هذه الآلية يتم فيها مناقشة الدول من قبل مندوبو الدول الأخرى في مجلس حقوق الإنسان وليس من خبراء متخصصين في مجالات حقوق الإنسان، وما قد تحويه هذه المناقشات من مصالح سياسية أو اقتصادية أو غيرها من الأمور التي من الممكن أن تُفقد فيها بوصلة حقوق الإنسان، أصبح من حق الدولة صاحبة التقرير رفض أي توصيه تراها غير مناسبة لها وقبول بعض التوصيات والنظر لاحقا في قبول الأخرى، وذلك بما يتماشى مع سياستها ومصالحها المختلفة، فالدولة غير ملزمة بتاتا بقبول كل التوصيات وكذلك الحال من غير المنطق رفضها جميعا.
وبعد ذلك تقوم الدولة بتنفيذ التوصيات التي قبلتها استعدادا إلى رفع تقرير آخر بعد خمس سنوات تقريبا يتم عرض فيه كل ما هو جديد من تشريعات وقوانين وممارسات متعلقة بحقوق الإنسان وأيضا ما تم حيال التوصيات التي تم قبولها في التقرير السابق واستعراض ما تم تنفيذه من هذه التوصيات وكذلك الصعوبات التي واجهت الدولة في تنفيذ تلك التوصيات.
ومن المهم جدا على الدولة إشراك جميع أطياف المجتمع (مؤسسات حكومية، مؤسسات مجتمع مدني، لجان وطنية، أكاديميين متخصصين، مؤسسات القطاع الخاص) في كتابة مثل هذه التقارير وذلك للوقوف على التحديات والمطبات التي تعيق عملية التقدم المحرز في إعمال مبادئ حقوق الانسان على أرض الواقع.
مع العلم بأن سلطنة عمان قدمت ثلاثة تقارير لمجلس حقوق الإنسان فيما يخص الاستعراض الدوري الشامل كان آخرها عام 2020.