أحمد الراشدي
أولى جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- اهتماما بالغا بحقوق الإنسان منذ بداية فجر النهضة، حيث اهتم جلالته ببناء الإنسان قبل بناء العمران، وبدأت معالم النهضة الحديثة منذ بداية السبعينات بالاستثمار في الإنسان العماني، فبنيت المدارس والمعاهد والكليات والجامعات وكذلك المستشفيات.
آمن جلالته- رحمه الله- بالإنسان وسعى إلى توفير كل سبل الراحة له وضمان حصول جميع المواطنين في شتى بقاع سلطنة عمان على العيش الكريم، فشُقت الطرق وعُبدت الشوارع وافتتحت المدارس والمستشفيات في كل محافظات السلطنة.
وكان- رحمه الله- قريبا جدا من شعبه من خلال الجولات السامية التي كان يلتقي فيها ببعض المواطنين لقاء مباشرا دون وسيط أو وساطة، ليتفقد أحوالهم واحتياجهم في كافة ربوع البلاد مصطحبا معه مسؤولو الحكومة ليستمعوا مباشرة لمطالب المواطنين واحتياجاتهم.
والمتتبع لخطابات السلطان الراحل -طيب الله ثراه- يجد أنها تحمل في طياتها الكثير من الرسائل والمعاني المتعلقة بحقوق الإنسان وكان أبرزها في أول خطاب له عندما تولى مقاليد الحكم عام 1970 حيث قال: “إني وحكومتي الجديدة نهدف لإنجاز هدفنا العام، كان بالأمس ظلام ولكن بعون الله غدا سيشرق الفجر على عمان وعلى أهلها، حفظنا الله وكلل مسعانا بالنجاح والتوفيق”.
نجد تركيز جلالته- رحمه الله- في هذا الخطاب على حق العيش الكريم للمواطن وضمان توفيره مستقبلا، وجاء هذا الخطاب متوافقا تمام مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته رقم 28 والمعنية لحق الفرد بالتمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما.
ومن الأهداف التي سعى المغفور له إلى تحقيقها هو صون كرامة الإنسان العماني ليحيا حياة هانئة كريمة، حيث قال في خطاب العيد الوطني عام 1972: “كان لزاما علينا أن نبتدئ من الأساس ومن واقعنا، وهذا الأساس هو الشعب في عمان، وقد سلكنا مختارين أصعب السبل لنخرج به من عزلته ونأخذ بيده إلى طريق العزة والكرامة”. ولقد جاء هذا الخطاب متوافقا تماما مع ما تنادي به المعاهدات الدولية فيما يتعلق بالعيش الكريم.
ولم يغفل المغفور له الفئات الأولى بالرعاية من أطفال ونساء وذوي الإعاقة وكبار السن، حيث قال جلالته في خطاب العيد الوطني الثاني والعشرين المجيد عام 1992م: “وقد أصدرنا تعليماتنا للجهات الحكومية المعنية بتطوير سياسات التعليم العام والتعليم التقني والمهني بما يتناسب مع التنمية التي تشهدها البلاد”، حيث يأتي هذا الخطاب متوافقا مع ما طالبت به اتفاقية حقوق الطفل التي انضمت لها سلطنة عمان عام 1996 فيما يخص حق التعليم للأطفال وكذلك المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمتمثلة في أن لكل شخص حق في التعليم ويجب أن يهدف هذا التعليم إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملاً.
وفيما يخص اهتمام جلالته طيب الله ثراه بالمرأة انضمت سلطنة عمان إلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة عام 2005، ليتم بلورة الحقوق الواردة في الاتفاقية والتي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية على أرض الواقع ومن خلال قوانين وقرارات محلية.
وفي ذات الإطار أمر جلالته بأن يكون السابع عشر من أكتوبر هو يوم للمرأة العمانية والاحتفاء بها كجناح آخر من أجنحة الوطن الذي يحلق عاليا نحو مزيد من العزة والرخاء، حيث قال في خطابه في افتتاح مجلس الشورى للفترة الثانية من عام 1994: “إننا ندعو المرأة العُمانية في كل مكان في القرية والمدينة في الحضر والبادية في السهل والجبل أن تشمّر عن ساعد الجدّ وأن تسهم في حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
كذلك لم يغفل- طيب الله ثراه- حق المواطن العماني في الأمن والأمان لينعم العماني والمقيم في هذه الأرض الطيبة بحياة هانئة بعيدة كل البعد عن المنغصات وعدم الاستقرار، وعليه أسس المغفور له دعائم الاستقرار وأرسى قاعدة أن الجميع سواسية أمام القانون، وقال في خطاب العيد الوطني الرابع والعشرون المجيد عام 1994: “لذلك كان من أهم واجبات الدولة قديماً وحديثاً كفالة الأمن وضمان الاستقرار حتى يتفرّغ المجتمع بكل فئاته، وفي طمأنينة وهدوء بال، للعمل والإنتاج، والإنشاء والتعمير”.
نجد في حياة هذا الرجل العظيم دروسا وعبر ومواعظ لا يكفي أن نسردها في مقال كهذا، ولكن دائما ما نحاول جاهدين أن نذكر أنفسنا أولا قبل أن نذكر الغير بالتضحيات التي قام بها- طيب الله ثراه- من أجل رفعة المواطن وتنميته وتمكينه التمكين الأمثل ليحيى حياة هانئة مطمئنة، وأصبح المحافظة على مكتسبات هذا الوطن العظيم واجبا وطنيا على كل فرد، ودائما كان الإنسان في وجدان قابوس السلطان حاضرا.