أحمد بن علي الشيزاوي
إن المتتبع لأحوال الناس المعيشية يعجب من درجة التذمر التي تكاد تكون مشتركة بين كافة أطياف المجتمع بمختلف شرائحه ودرجاته الفكرية واهتماماته المعيشية وهمومه اليومية، الجميع أضحى يردد عبارة غلاء المعيشة ويستمر في ترديدها، حتى أن بعض الجهات قد انتقل لها نفس الهاجس وبدأت تردد ذات الأمر، من خلال تصريحات المسؤولين إعلاميا.
وهناك عدة معادلات عجيبة في هذا البلد تتمازج في كيمياء الحياة اليومية، فالتاجر هو من يسوس السياسية التجارية في الأساس، والاقتصادي هو من يوجه درجات التضخم ويسعى لزيادتها على عكس ما ينبغي لها أن تكون حتى تضعف القيمة الشرائية للريال العماني، والمواطن يسهم من حيث لا يدري بزيادة حدة الزاوية التي يتعاطى معها.
قطاع عام، وقطاع خاص وشركات حكومية وأعمال تجارية حرة، تضخ الملايين من الريالات في السوق يوميا، وعلى نحو يدعو أحيانا البنك المركزي لحجز العملة الفائضة حتى لا يطغى العرض منها على الطلب في أيدي الناس.
مواطن فاحش الثراء وآخر مدقع الفقر، يعيشون على نفس الأرض ويتنفسون نفس الهواء، لكنهم لا يلتحفون نفس اللحاف ولا يتذوقون نفس طعم العيش، ونحن وإن كنا ولله الحمد لا نعاني من ضيق العيش إلا أن ما نشاهده من كتابات بمختلف منصات النشر ومن نكت تتناقل عبر الجوال، ومن مواضيع تكتب بالعشرات كل ساعة بساحات الحوار الإلكتروني، تدعو القلب الواعي والعقل المدبر إلى التوقف ولو لبرهة لنتساءل لماذا كل ذلك؟
ودون كسر لقاعدة أن الأرزاق مقدرة بيد المولى عزوجل، فإننا ندرك أن الناس لن تتوافق جميعا في نفس الوقت إلا لأمر قد أقلق مضاجعهم.
بتنا نسمع عن حالات تقتصد في الأنواع الأساسية من المواد الغذائية سعيا للتوفير ودرءا للفاقة. وأضحينا نسمع عن شح في الأسماك في بلد يوصف بأنه بلد سمكي حباه المولى بركة في البحر ونعمة لا تقدر بثمن. وأمسينا نسمع عن حالات معسرة في بلد أبى إلا أن يكون العماني شامخ الرأس عالي الهمة محفوظ الكرامة.
هل السبب هو روتين اللجان المطول والمشاورات الطويلة والجلسات المسجلة بمضابط ومحاضر دقيقة، التي تئن من رتابة الإجراءات وأحيانا من تعارض المصالح مع الواجبات؟ أم كما يسوق البعض أن السبب من المواطن الثري أو الميسور الذي أفلت لرغباته العنان، وعلى نحو ظلم معه أخاه المواطن محدود الدخل الذي لا يكاد يجد قوت يومه؟
أم أن العلة تكمن في ثقافة استهلاك خاطئة كما أُقنعنا بهذا الأمر مرات عدة، وأن المواطن يتعدى أساسيات العيش إلى أمور ثانوية ويثقل كاهله بالقروض والديون حتى يتمنى أن يعود راتبه حرا خالصا لوجه الله، نقيا من جشع الطامعين وربا المرابين.
هل للمظاهر الخادعة والطلات الفارغة المثقلة بالرياء الخاوي، دور في ذلك أم أنه من حق هذا المواطن أسوة بباقي أبناء دول المنطقة التنعم بخيرات بلده؟
إن المتبع بعقلانية لسياسة المشاريع كثيفة رأس المال الرامية إلى الحيود عن الاعتماد على النفط كمصدر دخل أساسي يدرك أن الدولة تنظر للمستقبل بحكمة وعقلانية، ولكن ألا يمكن الموازنة بين النظرة المستقبلة للاقتصاد وبين الحال الحالي للوطن والمواطن؟
وختاما نسأل: هل تدارست الجهات ذات العلاقة الرأي العام وقيمت صداه، وتوقعت ماهي انعكاساته وتداعياته في المستقبل المنظور؟