شؤون عمانية- خاص
تشدد الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية، كاتبة وشاعرة ومتخصصة في أدب الطفل بسلطنة عمان، على ضرورة وضع خطة تنفيذية ضمن الخطة الثقافية التي تتبناها الجهات المسؤولة تتعلق بأدب الطفل والاستعانة بمتخصصين في هذا المجال، وطرح أفكار جديدة ومبتكرة ومعالجتها معالجة علمية صحيحة ودقيقة، وتغليفها بإطار أدبي لطيف ومحبب للطفل؛ كي تصدّر أدبًا قويًا ورصينًا يحفّز الابتكار لدى الأطفال.
وتوضح: “الطفل يميل إلى اللغة السلسة والجميلة والواضحة، وإذا اقترنت هذه السمات بسمة الإيقاع والغناء فهي ستكون محط اهتمام من قبله، لأنه يرى في التنغيم طرافة وتشويقا وملامسة لاحتياجاته النفسية، كما أن التنغيم يعتبر طريقة خطاب ليّنة ومحببة للطفل”.
وتؤكد الشامسية أن مرحلة الطفولة الثانية تتميز بأنها مرحلة فضول واستكشاف لدى الطفل؛ كما أنه يجد بغيته في القصص التي تشبع هذا الفضول وتجيب عن تساؤلاته، خصوصًا إذا كانت مرتبطة بأطفال في مثل عمره، وتحاكي كثيرًا من المواقف التي يمرّ بها، موضحة: “لا ننسى التأثيرات التعليمية والتربوية التي تتداخل في تأثيرها على الطفل، وأعني بذلك من أنه قد ينشأ الطفل وهو يحب القصّة أكثر من النشيد لأنه اعتادها منذ الصغر، وقد ينشأ طفل آخر خلاف ذلك، بينما نجد نماذج لأطفال لا يميلون للقصص أو الأشعار”.
وفيما يتعلق بالشعر والقصة تبيّن الشامسية أن الشعر والقصة هما الصنفان الأقرب لمرحلتي الطفولة المبكرة والمتوسطة، وقد تتداخل لاحقا المسرحية والرواية في مرحلة الطفولة المتأخرة.
وفي شأن حضور الطفل العماني ومواكبته لكل ما هو جديد في شأن الأدب ضمن خريطة الثقافة العربية في الوقت الراهن تقول: “هناك نسبة جيدة من أطفالنا تعي أهمية الاطلاع على جديد الأدب، وخصوصا الإنتاج الأدبي الموجّه لهم، ومما يثير السعادة في نفسي وجود شهادات متنوعة من قبل المشتغلين في مجال النشر والطباعة، وإدارات معارض الكتاب التي أشادت بالقوّة الشرائية لدى أفراد المجتمع العماني؛ مما يدفعنا للقول بأنه لولا حضور الوعي، لما كان المجتمع العُماني يهتم باقتناء الكتاب، وهذا الاهتمام ينتقل بطبيعة الحال للأطفال، فنراهم يفتشون عن الجديد والمفيد ويحرصون على اقتناء الإصدارات على اختلاف أنواعها وأجناسها”.
وتشير إلى أن الطفل العُماني برز في كثيرٍ من مجالات الثقافة العربية كمجال الخطابة والتحدّث بالفصحى، ومسابقات الكتابة والرسم، وله مشاركاتٌ في مؤتمرات إقليمية ودولية عُنيتْ بشأن الطفل العربي، لكن هذا الحضور إن بدا متواضعًا للبعض؛ فلا يمكن لوم الطفل عليه، وإنما يقع اللوم على المشتغلين في رسم الخريطة الثقافية، إذ أنه لا يمكن أن يكون للطفل حضور طالما أنه غائب عن المشهد الثقافي، والغياب هنا يتخذ أشكالًا كثيرة ومتنوعة ويتقاطع مع تغييب المتخصصين في مجال ثقافة الطفل.

وعن مدى أهمية وجود وسائل إعلامية تختص بأدب الطفل في السلطنة، والمجلات التي من شأنها أن تصنع جيلا واعيا ومثقفا قادرا على مواكبة تطلعات المستقبل، فترى الدكتورة وفاء الشامسية أن صحافة الأطفال على سبيل التخصيص تلعب دورًا مهما في عملية تثقيف الأطفال، وتشكيل شخصياتهم إذ أنها تسهم في توجيههم وإمتاعهم وتنمية ذوقهم، وتكوّن عادات وتقاليد ومُثُل ومعايير وقيم ومعلومات لديهم، وكذلك إشباع خيالاتهم وتنمية ميولهم نحو القراءة وإثراء لغتهم.
وتتابع أن صحافة الأطفال تقوم على الفن البصري في المقام الأول؛ إذ تعتمد على الكلمة المطبوعة، والصورة واللون في تعبيرها عن الأفكار والحقائق، كما أن الطفل يفكر بوساطة الصورة البصرية قبل كل شيء، ومن هنا تبدو الصحافة قريبة من طبيعة الطفل، لافتة إلى أن تجربة السلطنة في هذا المجال لازالت تجربة واقعة بين مدٍّ وجزرٍ، لكن هناك ثباتا واستمرارية مؤخرًا في مجلات الأطفال كمجلة مرشد العمانية وبعض الملاحق التي تصدر كملحق الشرطي الصغير.
وتؤكد أن طفل اليوم مختلف تماما عن طفل الأمس، وأن التقسيمات الشائعة لمراحل الطفولة بحاجة إلى إعادة نظر، وتعديل لتتواءم مع ما أصبح عليه الطفل اليوم، وعليه ما زال المشتغلون في هذا المجال يركزون على دورهم كمربّين وموجّهين للمنظومة القيمية، وبالتالي فإن السواد الأعظم مما يُعرَض هو عبارة عن دروس متكررة بأشكال مختلفة تهدف إلى غرس القيم والمبادئ والمفاهيم لدى الطفل، وأنها ليست ضد هذه الأهداف لأنها مطلب أساسي تتطلبه التربية الصحيحة، لكنها ضد التركيز على الجانب القيمي والتربوي وإغفال الجوانب النفسية والمهارية للطفل؛ فلا تحقق البرامج النمو المتوازن لدى الطفل ولا تشبع رغباته المتنوعة ولا تخاطبه إلا بلغة النصح والإرشاد والوعظ.
وفيما يتعلق بمسؤولية صناعة أدب يحفز الابتكار لدى الطفل، وكيف للمؤسسات أن تقوم بدورها في هذا الشأن تقول الدكتورة الشامسية: “لنطرح فكرة الابتكار، ونسأل لماذا نحن بحاجة إلى الابتكار؟ خصوصًا مع وجودنا في مجتمع مطبوعٍ بالاستهلاكية، وما زلنا للأسف لا نتعامل بجديّة مع هذه الحاجة كتعاملنا مع أدب الطفل نفسه، وأنه جزء من الترف وليس حاجة أصيلة في ظل الثورة الصناعية الحالية، إن الأدب بما يحويه من تساؤلات، ومحاولات لإثارة الفضول يوجد الشرارة الأولى التي يستند عليها الابتكار لاحقا؛ فقصة البساط السحري جعلت الإنسان يفكر ويبتكر ما سهّل عليه التحليق في السماء، والأمثلة كثيرة في هذا المجال، ولكن النقطة المهمة من هذا الطرح هو إلى مجال يمكننا أن نصنع أدبًا أو نكتب أدبًا يحفّز الابتكار؟!، هناك محاولات لا بأس بها تمثلت في قصص الخيال العلمي، وقصص العلوم المبسّطة، ولكنها ما زالت تجارب متواضعة شأنها في ذلك شأن ما كُتب على مستوى الوطن العربي؛ إذ أنه قليل ولا يشبع فضول أطفالنا الراغبين في الخروج من دائرة المألوف والمعروف”.