خميس الصلتي
ثمة تساؤل أطرحه على نفسي يوميًّا، أوجهه دون الحاجة إلى إجابة صريحة؛ كون أن تلك الإجابة حاضرة وبقوة في ذهني: (ماذا يعني أن يكون في بيتك طفل مصاب بالتوحد؟!)، أكاد أجزم أنه إلى وقتنا الحالي هناك الكثير من الأسر لا تعرف ماهية هذا الاضطراب الذي يصاب به الأطفال في سن مبكرة من حياتهم.
علميًّا تشير المصادر والدراسات الطبية إلى أن التوحد هو أحد الاضطرابات التي تتبع مجموعة من اضطرابات التطوُّر المُسمّاة في السياق الطبي باضطرابات الطيف الذاتوي، ويُسمّى أيضًا بـ(طيف التوحد) ويظهر في سن مبكرة خلال فترة الرضاعة وقبل بلوغ الطفل المصاب سن 3 سنوات.
الراصد لهذا الاضطراب سيجد اختلاف خطورته وأعراضه من حالة إلى أخرى، في المقابل جميع تلك الاضطرابات تُؤثر على قدرة الطفل على الاتصال مع مَن حوله خاصة فيما يتعلق بتطوير علاقاته بهم أو الانسجام معهم.
هنا أتحدّث عن تجربة شخصية، فابني محمد البالغ من العمر 13 عامًا مصاب بطيف التوحد وهو لا يزال يعاني من عدة تحديات في حياته تتمثل في اللغة والسلوكيات وعلاقاته الاجتماعية وتفاعله مع المحيطين به.
في سلطنة عُمان ومن خلال معرفتي بحالات من هذه الفئة فإنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من الرعاية الاجتماعية الرسمية، على الرغم من إدراكنا بأن المؤسسة المعنية بالأمر قائمة بجهودها تجاهها، لكن على حسب تقديرنا وواقعنا الحالي الذي نحن بصدده فإننا لم نصل إلى الطموح المرتجى خاصة فيما يتعلق بالتأهيل والرعاية، في ظل وجود مؤسسات خاصة قد لا تقوم أحيانًا بواجبها بالشكل المطلوب.
إن المنزل الذي يوجد فيه طفل توحدي فهو حالة طوارئ دائمة، ولا نبالغ إن قلنا إن أب وأم الطفل المصاب قد يكونا في حالات انفعال وقلق دائمين، وإن الأطفال المحيطين بالطفل هم عرضة لأي سلوك عنيف ومفاجئ من أخيهم المصاب بالتوحد.
فالأسرة التي لديها طفل متوحد في بيتها قد تصبح حياتها غير مستقرة أبدًا والتفاصيل اليومية بالنسبة لها تفاصيل مرتبكة، والإشكالية الأخرى غالبًا تتمثل في عدم وعي المجتمع بحالة طفل مصاب بالتوحد؛ فيرونه سلوكه مستفزًا جدًا وغير مستساغ في أحيان كثيرة.
إن دور الأسرة مهم في هذا الأمر، لكن الأهم هو دور المؤسسة الرسمية المعنية وكيف من الممكن أن تكون أكثر قربًا من هذه الفئة وعائلاتها، والاستماع إلى مطالبها وتسخير الإمكانيات المتاحة لديها، خاصة إذا ما علمنا أن الطفل المصاب بالتوحد يصنّف علميًّا بأنه ذكي بالفطرة ولديه قدرات خاصة قد لا يصل إليها الطفل العادي وهذا أمر آخر يجب الالتفات إليه؛ للاستفادة من قدراته وتأهيله بالشكل الذي يليق بمستواه الذهني والاجتماعي الاستثنائي.