شيخة محسن الشمري/ كاتبة كويتية
تحتوى الرواية على (٣٣٢) صفحة ويضم غلاف الرواية عدة صور لشخصيات سياسية وفنية وأدبية وكأنها بوصله توضيحية تشير إلى اهتمامات بطل الرواية.
تعتبر رواية (كل الأشياء) من الروايات الجريئة ذات النبرة الغير مسبوقة والتي استطاعت من خلالها الكاتبة تسليط الضوء على حجم المأساة الفكرية والإجتماعية والسياسية التي توصلت إليها بلد الديمقراطية والإنفتاح بل وتدمير آخر ما تبقى من الديمقراطية والقيم الروحية والعقلية والتي تختص بالسلطات التي تواجه في ظروف معينة إلحاح عوامل الضغط من قبل شعوبهم ولا تستطيع أن تردها أو تتجاهلها لسبب بسيط وهو أنها لا تريد أن تفتح لنفسها بابا للمغامرة بتفجير صراع قد لا يكون في صالحها لذلك تضطر لإستخدام سلاح فن (سياسة تزييف الحقائق) لحماية تطلعاتها .
بطل القصة في هذه الرواية شاب كويتي اسمه (جاسم عبدالمحسن العظيمي) اختار لنفسه بأن يتصدى إلى تلك التطلعات ويواجه تزييف الحقائق وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية وكل الأشياء كانت (قلم حر) للتعبير عن رأيه حتى قاده ذلك القلم إلى زنزانة الشقاء لحبس الحريات بتهمة قلب نظام الحكم وازدراء الأديان وإشاعة الأخبار الكاذبة وتهم أخرى تتعلق بالتحريض والتقويض وهدم هيبة الدولة. وكانت تلك الإتهامات كفيلة بحبسه لمدة سنتين مع الشغل والنفاذ، لكن محكمة الإستئناف حكمت له بتقليص المدة إلى ستة أشهر قضى فيها (جاسم عبدالمحسن العظيمي) المدة كاملة بالخيبة والخذلان ولم يكن بوسعه البقاء في الأرض الذي أحبها وأحبته بعدما غادر السجن بل سارع لإتمام إجراءات سفرة إلى لندن بحجة الدراسة وكان الهروب الكبير لعله يستطيع أن يرمم نفسه الحره من جديد. وبعد مضي السنة الرابعة من هجرته عاد إلى وطنه ليشارك أسرته مراسم دفن والده الصحفي الكبير لكن فكرة عودته إلى لندن آتية لا محالة بعد انتهاء مراسم العزاء، لكنه يكتشف حقائق مكبوتة على خلفية سبب وفاة حبيبته وزميلها في العمل بقضية التستر على مناقصة منزوعة من ورائها أسماء لها نفوذها فقرر أن يطلق رصاصة قلمه الحر من جديد لنشر بعض الحقائق التوضيحية لكشف سر اغتيالهم ونشرها في إحدى الجرائد اليومية لتصبح قضية رأي عام ومن ثم يسافر في أقرب رحلة إلى لندن، لكن خطوات أمن الدولة كانت أسرع من حجز تذكرته عن طريق هاتفه المحمول ليخضع إلى تحقيق آخر اختارت الكاتب’ أن تجعله مفتوحا لتخمين القارئ عن مصير بطل القصة في قضية مشابهة لقضيته الأولى .
️أعجبني جدا أسلوب الكاتبة وهي تصطحب القارئ ليقرأ ذاكرة بطل القصة التي قادته إلى كل الأشياء التي تركها خلفه بعد عودته الى أرض الوطن ليجد نفسه وكأنه أمام عدسة سينمائية واسعة الزوايا متعددة الأبعاد، فالكاتبة -من وجهة نظري- استخدمت أسلوب (الفلاش باك) ومن هذا الأسلوب تخيلت الأحداث كقارئة وكأنها فيلم سينمائي مرشح للحصول على جائزة الأوسكار ولا أعرف لماذا رُسخت صورة الفنان الكويتي الخلوق (حمد العماني) في ذهني أثناء القراءة لأداء بطولة هذا العمل الملحمي كما سبق لي أن تخيلت صورة الفنان المبدع فيصل العميري بطلا لرواية ( أعوام الظلام ) وهي رواية أيضا أحداثها واقعية للكاتب الكويتي بدر المطيري … حقيقة لا أجد سببا لهذه التخيلات إلا أن هذه الأعمال الأدبية تستحق أن تكون مرئية وأن أسماء الفنانيين الذين ذكرتهم ناجحين وبكل المقاييس.
️أعجبتني فكرة الجرأة في الكتابة فأسلوب الكاتبة واقعي مبسط بتسلسل تاريخي جميل يقود القارئ لأحداث تستحق بأن تكون ارشيفا صريحا للأجيال القادمة سأذكرها كفقرات مخططه بخطوطها الحمراء مستنبطه بها أسلوب الكاتبة الأكثر من رائع وهي كالتالي :
١- (شاشة التلفزيون التي تبث مشاهد لطيارات روسية تقصف مدينة الرقة أو طفل يغرق في طريقة إلى اليونان أو تفجير في أنبوب غاز على حدود معمر رفح أو جرافة اسرائيلية تهدم بيتا في الخليل أو حتى أخبار بلاده التي ما عادت بلاده ، تفجير إرهابي في مسجد (الصادق) العثور على ترسانة أسلحة في (العبدلي) شيء سيجعل الرحيل مسوغا ربما مستجوبا لكنه للأسف الشديد ما زال حيا ثملا …..).
٢- (الأخبار تموج بأخبار عن إيداعات وتحويلات أرصدة فلكية تودع في جيوب عدد من ممثلي الشعب ، البرلمان مختطف ، على الشعب أن يمثل نفسه ) .
٣- ( قضى نهاراته معها ولياليه في الإعتصامات والندوات تحت الهراوات والقنابل الدخانية ملهما بما يطرأ على خارطة المنطقة من تغيير تونس، مصر، ليبيا، سوريا ….) .
٤- ( يعزونه في رحيل أبيه ويثنون على مواقفه الوطنية منذ اعتصامات دواويين الأثنين وحتى الحراك المعارض الأخير …) .
٥- ( لقد نسي الجميع عبدالمحسن العظيمي طوال أربع سنوات وتذكروه عندما مات لم أحد يستحضر مقالاته وكلماته الرنانة عن البلد المختطف مرحباً وخفافيش الظلام والخريف العربي ورعاع ساحة الإرادة وأطفال السياسة بقدر ما يتذكر الجميع مقالة الولد السيء التي دمرت كل شي المقالة التي كسرت قلب أبيه وقلمه أربع سنوات من الصمت والمنطقة في غليان سياسي وعبدالمحسن العظيمي لا يكتب …. )
٦- يتذكر جاسم الألقاب التي حصدها والده في سنوات كتابته (القلم العلم، صوت الحقيقة، عميد الكتاب، الكاتب المسطرة الذي يسمي الأشياء بأسمائها ….) .
٧- (كان في طريقه إلى المصبغة القريبة لاستلام غترته مكوية ومنشاة عندما تردد في الفضاء نباح صلبوخ تلفت جاسم حوله ليجد نفسه أمام موكب سيارات أمن الدولة كامري أربع سيارات يوكن وسيارة أخرى لا يذكرها لقد جاؤوا من أجله أخيرا ما زال يذكر الهيئة التي كان عليها لحظة اعتقاله نعل مطاطية زرقاء ، بنطلون رياضي أسود وبلوزة برتقالية كتب عليها بالإنجليزية (قد أكون على خطأ ولكنني أشك في الأمر) لم تكن تلك الهيئة المثالية للإعتقال …..) .
٨- ( اذا صبت مصالحنا مرحليا مع مصلحة السلطة فيجب ألا نخجل من ذلك لم يكن يفهم كيف يمكن لعبدالمحسن العظيمي أن يقول شيئا كهذا…. الموقف السياسي براغماتي مرحلي اذا اعتبرنا مصلحة الوطن غاية فإن الشيء الصحيح فعله هو أن تصطف مع السلطة …. نسيت مواقف السلطة؟ نسيت دواوين الأثنين؟ نسيت حل البرلمان؟ نسيت مراقبة الصحف؟ … الأحكام السياسية دائما أحكام مقارنة…. انت الذي كتب عن الديمقراطية الناقصة والتآمر ضد الدستور، أنت الذي طالبت بالمشاركة السياسية، انت الذي اعتقلت وضربت بالهراوات أيام الدواوين …. لا يمكنك أن تنتزع الديمقراطية من سياق الحرية…..).
٩- كان أبوك في صف الحكومة لأنها الحامي الأضمن للحريات لأن الحراك متخلف ورجعي وظلامي لأن الحراك قبلي واسلامي في الصميم … الحكومات انتصرت ،المسيرات توقفت، المطالبات خرست تماما فأين هي الحريات؟ إنهم يسحقوننا كل يوم بتلك القرارات ….) .
١٠- يبدو أن أول شيء يتعلمه المرء في أمن الدولة هو الشك في تلك الأيام فكّر أن الزنزانة تشبه بطن الحوت لكنه بدلا من أن يخرج منه نبيا، خرج كافرا بكل الأشياء تخيل أن يجد نفسه وحيدا في الظلام يذوب في أحماض معدة العملاق البحري الهائل على فرض أنه تدبر أمره جيدا دون هواء وربما اصطنع لنفسه طوافة قارب صيد صغير حكاية حب لم يتدبر أمرها جيدا شيئا يتشبث به المرء في الظلام رغم أن ظلام السجن مجازي جدا والأضواء اللعينة تبدو وكأنها معلقة داخل رأسه ) .
١١- في اليوم السادس بدأ يشك في وجوده أخذ يقرص زنده ويصفع وجهه ليتأكد بأنه ليس مجرد فكرة في رأس أحدهم ماذا لو فقد القدرة على الإحساس بالأشياء، الجدار،الحنفية،الباب،الحب،
الخوف … في كل مرة يدخل فيها الصاجة كان يغادرها ناقصا كما لو أنه يموت بالتقسيط ….).
١٢- يعرف أن الحكومة وافقت على الاتفاقية الأمنية الخليجية وأن قضية الإيداعات والتحويلات المليونية قد حفظت لعدم كفاية الأدلة وأن البرلمان قد حُل وأن الشارع يغلي… هناك دعوات لمسيرات شعبية بإسم (كرامة وطن) والبلاد تبدو على حافة الأشياء ….) .
١٣- ( أكثر شيء يفتقده المرء في السجن ليس الحرية بل الخصوصية ).
️استوقفتني جملة (لماذا يتصالح الناس مع خطاياهم؟) أثناء القراءة وكأني متأكدة أن هذه الجملة ستأخذ القارئ الى منحنى آخر يستطلع بذاكرته فقرة مفقودة في حياته.
اتخذت الكاتبة اللهجة والمصطلحات الكويتية لتحقق مصداقية أحداث الرواية كذلك استعانت بإسم المطربة الكويتية المعتزلة عاليه حسين ونوال الكويتية لتحريك بعض الفقرات الجميلة بنكهة كويتية مختلفة وذكية .
️وأخيرا الرائعه بثينة العيسى حققت حيوية الممارسة الديموقراطية وتنامي الوعي من خلال هذه الرواية … رواية (كل الأشياء) .