منى بنت سالم المعولية
يقول “آلان دونو” صاحب كتاب “نظام التفاهة: “لا تقدم أي فكرة جيدة فستكون عرضة للنقد، لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخِ شفتيك، فكّر بميوعة وكن كذلك، عليك أن تكون قابلاً للتعليب”.
منذ أيام كنت أتحدث عن رؤية عمان 2040 أنها بمثابة الخطة بعيدة المدى التي ترسم خارطة المستقبل لتسير عليه جميع القطاعات، وهذا لن نلمسه إلا من بعد انتهاء كل مرحلة من المراحل المقسمة على خمس أعوام وفق المخطط له، باغتني مقاطعا: “وينها الرؤية ما شفنا شيء!”.
فأيقنت للأسف أن الأوضاع الفكرية لدينا ليست كما ينبغي، وأنه لابد من حل يحرك ساكن التفكير، وألا نقف صامتين حتى يتسرب الجهل ويتغلغل دون أن نستطيع إيقافه.
إن ما يحدث اليوم من قلة الإدراك والوعي نجح في تصديره الحكاؤون بلا تفكير في وسائل الإعلام البديل، في ظل غياب شبه تام لأي وسيلة مضادة تمحي هذا الفكر وتجابهه؛ مما جعل عصرنا هذا هو عصر التافهين بامتياز.
نعم هذا ما يحدث في حاضر الأيام على مواقع التهافت الاجتماعي أو المسماة بالتواصل الاجتماعي، حيث انتشرت السلبية وتفشى الإحباط، وعلل السلبيون أسبابهم بالإخفاقات السابقة، وكأنها شماعة توقفت عليها عجلات الزمن، وكأنهم يدحرجون صخرة صلبة يضعونها أمام أي حراك، لا يرون غير الفشل يتشمعون على أبوابه ويتمسكون بأسبابه دون دوران أو محاولة لتحريك مسار التفكير وتصحيح المفاهيم الراسخة، وتبديل النظارة السوداء بنظارة التفاؤل والألوان.
عصر طغت فيه السطحية وارتقت فيه التفاهة وعامت على وجه السطح، وغارت فيه المنطقية وغاب عنه التفكير وانطمست منه العقلانية، و دق فيه جيل “الميديوكر” المسمار الأخير في نعش المحتوى الهادف والانضباط وتقدم السليقة.
زمن التعليب وارتقاء الدخان ليوصف بالسحاب، زمن تكلست فيه العقول أو كما نقول بالدارجة “تبغمت”، نعم إنه زمن أصبح فيه بعض “البغمان” قدوة وجل التافهين رمز!، زمن انحدرت فيه المصطلحات وتضاربت مفاهيمها، فأصبح يقود جموع الناس مجموعة فارغين إلا من الفراغ نفسه، ممتلئين بغياب الهوية، متكدسين على السلبية، رافعين رايات التقزيم، ثائرين على شعارات النجاح، متأففين من كل شيء إلا ما يعزز رأيهم، أولئك هم أبطال القص واللصق، وجماعات نشر القصاصات ذو الأنصاف حقيقة، المطبلون لفقاعات الخارج، المواربون على جلد الذات وتقزيم الداخل، أولئك الذين يصنفون أنفسهم بالغيورين على الأوطان، بينما أميل لتصنيفهم بقليلي الذكر والناكرين للإحسان، الذين يعيثون في الأرض ذما وتقليلا، وبمجاديف التقدم تكسيرا، أصحاب العقول المعلبة، “ميديوكر” أشباه الموهبين الذين قد تتبعهم عقولا لا تعلم مقاصدهم، أو تنغر لفصاحتهم، دون أن تعي معادنهم.
الذين يدعون المثالية والموضوعية، اليساريون الملتحفون بغطاء الثوار، الذين يعتقدون أنهم الصح والآخر باطل، أولئك الذين يعجزون عن مجاراة منطقك فيكتفون بالرد بأيقونة “طبل” تشبه تجاويف كلماتهم.
يبقى أولئك خليط من صناعة الغير لا رأي عقلاني لهم سوى أن ينجرون ويجرون أتباعا لهم دون أي اتزان.
إذن ما الحل من دحض تلك الظاهرة، لا بد من ثورة معلوماتية مضادة بنشر وبث كل ما يتم تحقيقه لحظة بلحظة، ومرحلة بمرحلة، علينا أن نجب سياسة الصمت ونمحقها كي لا تسد هتافات السلبين أذاننا وتتمكن منها، وتجرنا حيث هم يقبعون في غياهب الجهل واللاإدراك.