خاص- شؤون عمانية
سنتان ونيف، لم يمكن مرورها بتلك السهولة على كل فرد يقطن أنحاء المعمورة، حيث ظهر فيروس كورونا، وكانت البوادر الأولى من الصين والتي لا تزال تعاني منه حتى اللحظة، ولم يكن مرور الجائحة عابرًا علينا في سلطنة عُمان، فقد أهلكت الإنسان وقلبت الحياة وغيّرت مجراها وأحداثها وموازينها.
وبات الناس في أطر ضيقة لا فرار منها، حتى أصبح الأثر النفسي شاخصا في الوجوه، ولكل فرد منا ظروفه المحيطة في ظل تفشي هذا الفيروس، إلا أن قرارات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا كوفيد 19، التي جاءت وفق رؤية سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه- حاولت قدر الإمكان منع انتشاره، ولكن اللحظة الحاسمة بدأت مع رفع جميع التدابير والإجراءات الاحترازية في جميع الأماكن ولجميع الأنشطة، وذلك في 22 مايو الماضي وعودة الحياة إلى طبيعتها.
بعد الخروج من أزمة جائحة كورونا، بلا شك هناك أحداث لا تزال عالقة في الذهن بسببها، وأثر نفسي تركته الجائحة.
تصحيح للسلوكيات
يقول حمدان البادي: “نعيش اليوم لحظة كنا نحسبها قريبة لكنها أخذت سنتين من العمر، ففي بداية الحجر الصحي قلت إن كورونا أتاح لنا سفر داخلي باتجاه حياتنا الشخصية لنستكشف ما تركناه وحفظناه من الزمن الغابر، وقبل ذلك نكتشف حياتنا الشخصية وما أهملناه من إمكانيات ومواهب وعادات ضاعت في زحمة دروب الحياة”.
ويشير: “أعادنا فيروس كورونا إلى منازلنا الأولى لنختبئ في حضن العائلة في عزلة عن المجتمع تطبيقا لنظام التباعد الاجتماعي في محاولة لنقي من نحب شر الوباء، وقد ساهم كورونا في تصحيح بعض سلوكياتنا وعاداتنا ومنحنا مساحة من الحرية خلف الكمامة”.
ويقول: “لأني قادم من قرية جبلية فقد التجأت إليها طوال فترة الحجر وكنا نوجد مساحتنا الخاصة التي نتحرك فيها دون قيود ودون أن نخل بمساحة الأمان، نراقب الوباء بخوف ونستشعر الألم مع كل إحصائية، نحصى الضحايا ورائحة الموت تحيط بنا وقد خطف أحبة لنا، نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة كما نسأل الله أن يرفع الوباء والبلاء عن عباده وأن يكون كورونا تجربة حياة نستشعر فيها قيمة أن نحيا بصحة وعافية”.
خسائر عديدة
وتوضح وفاء بنت سالم الحنشية: “لم يمر كورونا علينا مرور الكرام، كان مروره مصحوبًا بخسائر عدة أغلبها خسائر في الأرواح، وخسائر مادية ووظائف وفشل لمشاريع عدة، ومن المؤسف حقًا أن أقول بأن كورونا أغلق بيوتًا عدة ويتّم أطفالًا لا حول لهم ولا قوة، لقد عرف الناس معنى الموت بأبشع طريقة وشعور”.
وتضيف الحنشية: “لو تحدثت عن أثر الجائحة على بشكل خاص لقلت بأني قد نلت كفايتي منه وقد نال مني كذلك في جميع المستويات
أسريا وماديا وعمليًا، وللآن لم أصل للمرحلة التي أستطيع فيها تعويض كل الخسائر، تُرى هل توقفت الجائحة من حصاد كل شيء عند هذا الحد؟ أم أن هناك فصلًا آخر لها؟”.
عقوبة اجتماعية
هنا يروي زاهر بن مهنا الإسماعيلي تجربته: “تجربة كورونا صعبة جدا، كل العالم مر بظروف صعبة، وبالنسبة لي الحجر المنزلي كان أكبر تحدي أو ممكن أن أقول أكبر عقوبة مرت علي، فأنا لست من محبي الجلوس في المنزل وعندما تكون إنسانا اجتماعيا وتجبر على الجلوس في المنزل وعدم زيارة الأهل والأصدقاء وعدم حضور المناسبات الاجتماعية وأيضا الفعاليات الثقافية والرياضية حتى التنزه في الشواطي والحدائق تشعر بالمرارة خاصة نحن العمانيين نحب أن نعيش اللحظات الجميلة مع أهلنا وأصدقائنا في المناسبات مثل الأعياد والإجازات الصيفية.
ويضيف الإسماعيلي: “لقد مررنا بحالة مأساوية في ظل تصاعد أرقام الوفيات الكبيرة كل يوم ونشاهد الجنائز التي لم تقتصر على كبار السن وإنما حتى الشباب، فتسمع خبر هنا وتارة وهناك، من الجيران والأحباب بموت أعز الناس لهم وأنت لا تستطيع أن تشارك في حزنهم والتخفيف عنهم، وهذا ما يجعلك تشعر بالعجز على تلك المشاهد والأحداث التي لا زالت عالقة في الذهن.
ويختتم حديثه: “نتمنى أن لا تعود هذه المشاهد وأن يحفظ الله العالم من هذه الأوبئة والأمراض الخبيثة التي تفتك بالبشر”.
اضطرابات نفسية
تقول تهاني بنت سعيد البطرانية: “تظل التفاصيل عالقة حتى بعد زوال الجائحة وتعافي المجتمع من هذه الجائحة التي أخذت الكثير من الأرواح معها وخلفت أحداثًا مثل الفقد والمرض والمعاناة والبعد المكاني بين أفراد الأسرة، كل هذه الأشياء لها تأثير نفسي ومجتمعي وهي سبب في ظهور بعض الاضطرابات النفسية على كل شرائح المجتمع”.
وتضيف البطرانية: “ظهرت بعض الأمراض النفسية والعقلية بشكل كبير مع جائحة كورونا مثل: الاكتئاب والاضطراب والقلق الاجتماعي، والوسواس القهري ونوبات الغضب والبكاء غير المبرر، ويبقى السؤال هنا كيف نتمكن من حل هذه المعضلات لإيجاد تعايش سلمي مستقبلًا مع أي جائحة قادمة وهل سيكون هناك وقفة من المختصين مع هذه الفئة المتضررة”.