جمال النوفلي
عزيزي محمد نظام
وانت في صومعتك السفلية تؤدي طقوس تماهيك الكوني
أتذكر؟! قبل أسبوعين اتصلت بكما أنت ومحمود وأخبرتكما أننا سنتعشى سوية بصحبة صديق عربي قادم من باريس لأعرفه بك وبفنك وحديثك الشيق، وأخبرتماني بأنكما ستذهبان إبتداءً إلى بيت الزبير لحضور الملتقى الفلسفي ثم ستلتحقان بي بعد الأمسية، هل تذكر ذلك؟
لكن وللأسف لم تحضر أنت بظروفك الصحية وأتى محمود وحده.
كانت تلك آخر ذكرى بيننا، ثم في صباح اليوم التالي وجدت نفسي أكابد عاصفة هوجاء هبت علي دون سابق استعداد وأتلفت بعض أشرعتي وأبعدتني كثيرا عن المسار، وبقيت أياما وليالي أبحث عن طريقي يعيدني إليكم، وقبل أن أصل جاءت رسالة في إحدى المجموعات الواتسابية تقول “الرسام محمد نظام في ذمة الله ” وألحقت بصورة “أبيض واسود” لك، أظنها الصورة نفسها التي نشرتها نور وبصيرة عندما كرمت أنت بجائزة المنجز الثقافي، ولم يكن الخبر وأقصد هنا خبر وفاتك بالنسبة لي صادما فطبيعي أن يموت الانسان، لكن الصادم لي أن لا أحد في المجموعات الواتسابية الأخرى يعلم بوفاتك أو لا يتوقعونها، انتظرت نصف ساعة لعل أحدهم ينشر الخبر في إحدى المجموعات لكن لم يحصل ذلك، فما كان مني إلا أن حولت الرسالة الواتسابية مع الصورة وصورة أخرى كتب عليها ” إنا لله وإنا إليه راجعون” إلى صديقك محمود حمد وبسرعة خاطفة عاود محمود الاتصال بي ليسألني هل الخبر صحيح أم لا؟ فأخبرته بأنني لا أعلم لكني حصلت على الخبر في مجموعة واتسابية موثوقة.
على العموم نشرت خبر وفاتك في تويتر وفيسبوك وكتبت ” صديقي الحكيم محمد نظام لروحك السلام” وصار لغط من بعض متابعيني كالعادة قالوا أنني أقلد الغرب الكافر لأنني لم أستخدم عبارة ” رحمه الله” ولم أدع لك بالغفران، لم أعرف بماذا أجيبهم، لم تكن النية أنني أتبع الغرب أو الشرق بقدر كنت أبتغي أن أنعيك بالطريقة التي أظن أنها تعجبك، فلطالما كانت روحك الباسمة تحلق في سماء السلام. ثم أنك لم تفعل شيئا سيئا حتى ادعو لك بالرحمة وأطلب لك المغفرة، بل كل ما قدمته نفسك الطاهرة لهذا العالم هو الفن والجمال والحكمة، الأوغاد فقط هم من ينبغي أن يدعى لهم بالرحمة، أما أنت بروحك العذبة المطئنة فلا شيء نرجوه منك سوى أن تبقي لنا بعضا من محبتك وسلامك الأزلي.
واتصل بي زاهر الغافري يعزيني في وفاتك، كان حزينا وهو يحدثني آسفا على وفاتك المبكرة، أخبرني أن لك ابنا اسمه آدم وأخا اسمه أحمد وأوصاني أن أبلغهم سلامه وتعازيه عندما أذهب إلى العزاء.. ، بالمناسبة أقيم عزاؤك في مسجد حمد بن حمود في الحيل، ولكني لم أستطع الذهاب إلى العزاء، لأنني أولا أشعر بنوع من الرهاب الاجتماعي هكذا يسمونه أطباء النفس، وثانيا لم أجد المغزى من ذهابي لتعزيتك وأنت غير موجود في العزاء، فمن أعزي هناك، لا أعرف أحدا من عائلتك.
نعم صديقي تذكرت شيئا أريد أن أسألك إياه: هل أخذت الكولاج معك إلى المقبرة؟ أم تركته لي ؟
أذكر أنك عندما اخرجت لي هذا الكولاج من حقيبتك لأول مرة ومددته على الطاولة ذات نهار مشمس في نادي الطيران ضعت في تفاصيله وكأنني انتقلت إلى بعد زماني ومكاني آخر.
أيضا أخبرت صديقنا صمويل شمعون أنك مت.
لم تحصل أشياء كثيرة خلال هذه الأيام، الحكيم سارجورو دخل عمان كما هو مخطط له بدراجته النارية وأقام محاضرته بنجاح، ثم لحقه البطريرك يوحنا العاشر وافتتح كنيسة أرثوذكسية في مسقط سموها كنيسة القديس الحارث بن كعب، كنت أتمنى لو سموها باسم أحد القديسيين العمانيين لكنني أظن أن كتب التاريخ لم تسعفهم بشيء، فكرت ماذا لو سموها باسم القديس محمد نظام، هههه. باسمك تخيل.
ريال مدريد فاز على ليفربول كما هو متوقع إن كان يهمك هذا الخبر
عبدالله حبيب كتب عنك نصا رائعا جدا، وحبيب يسمي مثل هذه النصوص شهادة، ولا أعرف لماذا يسميها شهادة ربما يعني إنه يمنحك شهادة تخرج من الحياة.
حمد الصبحي كتب عنك كثيرا ومحمود الرحبي كتب عنك في صحيفة عمان مقالًا بعنوان محمد نظام وطاولة الراحلين كما أسماها، ويبدو أنها طاولة في إحدى المقاهي في الخوض اعتدتم الجلوس إليها، وصحف كثيرة نعتك وأناس كثر من أصدقائك حتى النادي الثقافي نشر نعيا على صفحته الرسمية. وصديقك محمود أدى هو الآخر شهادة لك أو فيك في برنامج المشهد الثقافي.
تقريبا هذا كل ما لدي.
الأرجنتين فازت على إيطاليا.
وأمر أخير أريد أن أخبرك هو أنني أتذكر نصيحتك لي بعدم إطالة الوقوف على حافة الهاوية، وأتذكر نصيحتك الأخرى والتي أظن أنها الأكثر أهمية بعدم الاستعجال في ملء التانكي، أما باقي النصائح فأتذكرها أحيانا وأنساها أحيانا كثيرة، غالبا إذا لم ألتحق بك قريبا فسوف أنساها جميعا وأنسى كل شيء.. . هل يحزنك أن تنسى؟ هل يحزنك أن تكون منسيا يا صديقي؟!! ..
لا تحزن..
ستظل الفنون التشكيلية تذكرك لأننا نموت وهي لا تموت.