إبراهيم السالمي
دائما ما تكون المهرجانات الشعرية مشرقة بالشعر، منتشية بألق الحضور المتنوع الذي يُضاف إلى الشعراء المشاركين أنفسهم من خلال احتكاكهم ببعضهم البعض والاطلاع على تجاربهم المختلفة ثم يعودون بعد كل مهرجان لممارسة هذه الحماقة الجميلة التي تصعد في كل مرة بالشعراء إلى أفق أكثر رحابة مما كانوا عليه في كل مهرجان.
إلا أن مهرجان دارين الشعري الرابع الذي أقامه نادي المنطقة الشرقية الأدبي بالدمام بالمملكة العربية السعودية له أبعاد مختلفة وإضافات جميلة تتعدى الشعر والشعراء، بل وتذهب بهم إلى ما هو أبعد من مناخ الشعر وروحه، وتخاطب فيهم الوجدان والإرث التاريخي المشترك لإنسان الخليج العربي الواحد، ولعل أول قطوفه حين كان الشعراء في مهرجانهم هذا هم المكرِّمون قبل أن يكونوا المكرَّمين، حيث كانت أول فعاليات المهرجان تكريم ثلاث شخصيات سعودية كان لها الدور البارز في تنمية القطاع الثقافي بالمملكة ولهم الجهد المحمود في دعم الكتاب والأدباء والمثقفين، ولا شك أن هذا التكريم لداعمي الثقافة هو تكريم لكل شخصية خليجية داعمة للثقافة والشعر والأدب. والمكرمون هم عبد العزيز بن حسن الجبر أحد مؤسسي الصحافة والمكتبات الأهلية بالمملكة، والدكتور علي بن عبدالعزيز الخضيري وكيل وزارة الإعلام سابقا بالمملكة، والدكتور صادق دحلان عضو مجلس الشورى سابقا بالمملكة.
عندما تحدث الأستاذ الناقد والإعلامي محمد بودي الأمين المساعد لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، رئيس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي عن دارين وهو يستقبلنا في بهو الفندق كان حديثه إماطة اللثام عن سبب اختيار دارين لتحمل هذا الاسم المشع في تاريخ المنطقة، منطقة الجزيرة العربية، مما شدني أن أبحث أكثر لأقرأ سيرة المكان بعيون خليجية تنتمي إنسانية قبل كل شيء إلى هذا الجزء المدهش من تاريخ خليجنا العربي، فكانت النتيجة هي الدهشة الأولى التي توالت بعدها الدهشات من خلال تجوالنا على الأرض الطيبة وما تضمه من مضامين تاريخية عظيمة لؤلؤية ومرجانية تتقاطع فيها مع كثير من أسواقنا العربية القديمة في تلك الحقبة الزمنية، إضافة إلى الأماكن السياحية التي شكلتها الطبيعة كجبل القارة، وإلى المساجد العظيمة التي تناوبت عليها أجيال وأجيال منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسد ربيعة قبيلة عبد القيس ومن خلفهم على مر العصور والأزمان، وقد وثقت تلك الدهشة روابط الوجدان بيننا وبين هذه الأرض، ولعل أكثر بيت شعري قديم تم تكراره عند كل من يبدأ الحديث عن دارين الجزيرة التي تقع في المنطقة الشرقية بالمملكة في الخليج العربي هو قول الشاعر الجاهلي أعشى همدان
يمرّون بالدهنا خفافا ثيابهم
ويرجعن من دارين بجر الحقائب
وذلك دلالة على النشاط الاقتصادي لهذه الجزيرة وعن غنى المنطقة التي يقصدها الناس تجارة وعيشا.
دارين ومسكها المشهود له بالجودة وحضورها في الذاكرة العربية لم يغب أبدا عن الشعراء العرب في مختلف العصور، وفي دارين يقول الشاعر العماني سعيد بن خلفان الخليلي في قصيدته سموط الثناء:
تعطرت الآفاق من طيب عرفه
فما مسك دارين يشاب بعود
وهكذا تستمر دارين في قصائد الشعراء الذين حضروا المؤتمر حيث فجر تاريخها قرائحهم فتغنوا بها ابتهاجا وفرحا وسرورا، فيقول الشاعر البحريني كريم راضي:
تضوع من دارين مسك فأينعا
بكل ضمير ماء ورد ونعنعا
فعدنا كأنا لم نعد لديارنا
ودارين لم تبرح شفافا وأضلعا
ويقول الشاعر السعودي عبدالله الدريهم:
يا ملتقى الشعر قد أحييت ماضينا
وفقت غيرك إبداعا وتدوينا
حتى عكاظ الذي لا سوق يشبهه
حتما سيحسد بعد اليوم دارينا
وأكاد أجزم أن دارين أبقت في كل شاعر منا حضر المهرجان هاجسا وجدانيا رحبا قاله شعرا أو نثرا، ولا أدل على تلك السقيا من الألفة التي شهدها مهرجان دارين الشعري الرابع بين شعراء الخليج، فقد أذابت اللقاءات التي كانت على هامش الملتقى جوازات العبور واختلاف التسميات، وغدا الجميع بروح الإنسان الخليجي الواحد والشاعر الكوني الأبعد، فمثل هذه التجمعات يؤسس لحضور شعري خليجي باذخ ودور أكثر نصوعا في تنمية الأدب العربي والإنساني بصورة عامة.
ولا يفوتني هنا أن أشكر أولئك الأرواح المجندة في خدمة المهرجان وضيوفه، فقد كانوا معنا ليلا ونهارا من أجل أن تغمرنا السعادة وأن لا نفوت لحظات الود والورد والفراشات التي تحيط بدارين وأهلها، وهم بدر الحارثي ومنيرة الهاجري ومتعب الغامدي ومريم الجابر فهؤلاء كانوا إضافة حقيقية أبعد من مسألة تنظيم الملتقى فهم شعراء وإعلاميون وكتاب تطوعوا لخدمة نادي المنطقة الشرقية الأدبي وبرامجه وفعالياته وضيوفه، فيستحقون الثناء والإكرام.
لقد كانت مشاركة الوفد العماني برئاسة الموجه الروحي للشعراء الشباب الأستاذ المكرم سعيد الصقلاوي عضو مجلس الدولة ورئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ويضم الشعراء سعيد اليعربي وعبدالله الذهلي وحمد الحراصي وحمزة البوسعيدي والكاتب القاص عبد العزيز الرحبي الذي كان همزة الوصل بيننا وبين الجمعية العمانية للكتاب والأدباء منظما ومديرا للوفد وحاجياته واحتياجاته منذ إعلان رحلة الشعر إلى دارين، فشكرا لدارين والأحساء وأهلها وشكرا لنادي المنطقة الشرقية الأدبي بالدمام وشكرا لجمعيتنا جمعية الكتاب والأدباء، متمنيا أن كل التوفيق والسداد للقائمين على مهرجان دارين الشعر وأن يزهو به الشعر عاما بعد عام.