الكاتب: مرتضى بن حسن بن علي
الأزمة الاخيرة ليست الاولى ولكنها ربما الاخطر في سلسلة الأزمات التي واجهه المجلس منذ إنشائه في عام ١٩٨١. واذا لم يتم احتوائه بصورة جذرية تمهيدا لحل الخلافات الاخرى المستشرية فانه سوف يترك علامات فارقة على جدران البيت الخليجي وتؤدي الى تحولات في الاجندة السياسية واحداث تغييرات في موازين القوى في المنطقة.
الخلافات الخليجية ليست بظاهرة جديدة وان كانت جديدة في حدتها وطرق التعبير عنها. وقد كان ذلك واضحا لأي متابع يرصد العديد من الخلافات التي أريد لها ان تبقى سرا؛ وذلك لطبيعة الثقافة السياسية في منطقة الخليج، اذ لا يوجد هناك عمل مؤسسي او مؤسسة مسؤولة لمتابعة قرارات القمم الخليجية او عمل اللجان المختلفة ومتابعة تنفيذها ، ولا توجد محكمة خليجية او سياسات هيكلية تسعى الى ايجاد حلول للخلافات، كما تفتقد الأمانة العامةللمجلس الى قوانين وتشريعات ومؤسسات وسياسات واليات خليجية مشتركة ويكون للمواطن الخليجي فيها صوت وكلمة مسموعة . وفِي كل الحالات فان هذه الازمة تمثل لحظة فريدة في تاريخ دول مجلس التعاون الخليجي.
منذ انشاء مجلس التعاون الخليجي فان ما تم انجازه كان ضعيفا ومتواضعا مقارنة بما كان متوقعا منه. ومع مرور الوقت ولا سيما مع التسعينات بقت الامال بتطوير المجلس عصية على الحل. ورغم كل الاجتماعات والبيانات والاتفاقات فان المجلس كان يعاني من الام ومشاكل عديدة . ولم يكن باستطاعة الكثيرين ان يلاحظوا ذلك او الاعترافبالتطورات التي كانت تضغط على الوضع.لقد شاخ المجلس في ريعان شبابه . ولم يبق عمليا منه الا مبنى مقره الكبير وأمانته العامة الضخمة دون ان يعرف احدا ماذا يعمل ذلك الجيش من الموظفين ومن دون ان يدرك هذا الجيش ان الأمن الخليجي مهدد من الداخل اكثر منه من الخارج.
وقعت حرب الخليج الاولى بين ايران والعراق دامت ثماني سنوات وبغض النظر عن أي شيء آخر فقد قامت هذه الحرب بإعادة إنتاج بذور فتنة تاريخية قديمة التي اعيد توظيفها لأحداث قطيعة نهائية بين الحالة الاسلامية والحالة القومية . دخل العراق الحرب وخزائنه مليئة باكبر احتياطي من العملة الأجنبية في العالم العربي ويتمتع بأحسن نظام تعليمي وصحي ومعدل دخل الفرد هو الاعلى في العالم العربي وخرج منها مفلسا يئن من الديون الثقيلة . لقد تحمس اصحاب المصلحة في توظيف الحرب فاغدقوا الأموال اليه وباعوا السلاح ، وقدموا المعلومات هنا وهناك للجانبين لكي تستمر الحرب وبحيث لا يخرج منها منتصر ومهزوم ، وإنما يخرج طرفان كلاهما مهزوم . وكانت أدوات التوظيف معظمها عربية وبالأخص خليجية. وبعد وقف إطلاق النار بين ايران والعراق توقفت كل المساعدات الخليجية عن العراق في وقت كان بحاجة شديدة لها.
ثم تلت ذلك عملية غزو الكويت والتداعيات التي أعقبته. وكان ممكنا ان يستفيق الخليج من غفوته ويبني صروح القوة الحقيقية ولكنه لم يفعل. ومشروع ايجاد جيش خليجي موحد تم وأده من دون إعطاء اي سبب بعد ان صرفت عُمان وقتا وجهدا في بلورته استجابة لقرار من قادة مجلس التعاون.
كانت الإنجازات متواضعة والخلافات هي السائدة وبقت القرارات في معظمها حبرا على ورق، فعلى سبيل المثال:
* بقت الخلافات الحدودية قائمة بين قطر والسعودية والتي انفجرت بمعركة قصيرة في عام ١٩٩٢ والتي أدت الى مقتل ضابط سعودي وجنديين قطرين . وقيل ان من أسبابها قيام قطر انشاء مركز حدودي في منطقة الخفوس التي تقول السعودية انها من نصيبها حسب اتفاقية ١٩٦٥.
* في عام ١٩٩٦ اتهمت قطر السعودية انها ساندت محاولة انقلابية بالتعاون مع الشيخ السابق خليفة بن حمد أل ثاني.
* اضافة الى ذلك وفي قمة مسقط عام 1996 رفضت قطر تسمية المرشح السعودي حينها الشيخ جميل الحجيلان كأمين عام للمجلس حيث كانت الدوحة راغبة في أن يكون المرشح من مواطنيها، إلا أن دول المجلس مضت في الموافقة على تسمية الحجيلان للمنصب بالتصويت بالغالبية مما دفع الوفد القطري ان ينسحب من قمة مسقط .
* في عام ١٩٩٩ قاطعت الإمارات وكعلامة على الاحتجاج مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول مجلس دول التعاون في السعودية والذي تزامن مع تدشين حقل للنفط في منطقة الشيبة المتنازع عليها بين الإمارات والسعودية متهمة السعودية انها لا تشارك الإمارات في عائدات النفط في هذا الحقل بموجب اتفاق ابرم بين البلدين في عام ١٩٧٤.
* ظلت الخلافات حول الموقف من ايران موضع خلاف مستمر طوال تلك الفترة وما زالت كما بقت وجهات النظر متباينة حول موضوع العقوبات القاسية والمدمرة المفروضة على العراق وكذلك الموقف من قناة الجزيرة والموقف من المقاومة ضد اسرائيل وغيرها من القضايا.
* في عام ٢٠٠٦ اعادت الإمارات طرح قضية الحدود المتنازع عليها مع السعودية وادعت انها لم تصادق مطلقا على اتفاق ١٩٧٤. وقيل ايضا ان السعودية لم تبدِموافقتها على تمديد خط الغاز القطري الى عمان عن طريق الإمارات .
* في عام ٢٠٠٩ ايضا عارضت السعودية إنشاء جسر بحري يصل بين قطر والإمارات مبررة أنه يمر بمياهها الإقليمية، ومشترطة تجاوز الجسر لأبعاد أخرى والتي اتضح أنها تدخل في المياه الإقليمية الإيرانية كما عارضت اقامة جسر بين قطر والبحرين.
* في يونيو ٢٠٠٩ أوقفت السعودية آلاف الشاحنات الاماراتية عند المعبر الحدودي بينهما كنتيجة للتوترات بين البلدين حول اسباب عديدة وبررت السعودية ذلك ان الإجراء هو جزء من عملية تعزيز الرقابة على دخول السيارات من الإمارات واليها.
* في عام ٢٠٠٩ ايضا قامت السعودية بوقف العمل بالية تنفيذ التنقل بالبطاقة الشخصية مبررة خطوتها بان البطاقةالشخصية الاماراتية لا تتفق مع اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين والموقعة بين البلدين في عام ١٩٧٤ والتي تدعي الإمارات انها لم تصادق عليها إطلاقا . وقد اعتبر الدكتور عبدالخالق عبدالله الاكاديمي المعروف ، واستاذ العلوم السياسة في جامعة الإمارات ان السعودية تسعى لمعاقبة الإمارات على قرارها بعدم الانضمام للعملة الخليجية الموحدة .
*وفِي عام ٢٠١٠ تم مهاجمة قاربين سعودين واعتقال اثنين من حرس الحدود السعودي من قبل قارب حراسة اماراتي في داخل المناطق المتنازع عليها في المياه البحرية للبلدين.
*منذ انشاء المجلس فان الخلافات الداخلية حول مشاريع عديدة بقت دون حسم سواء تلك التي كان من المفترض ان توقع عليها مع بعضها البعض او توقع مجتمعة مع أطراف اخرى مثل الاتحاد الاوروبي او اتفاق التجارة الحرة الامريكية وغيرها.
* من ابرز الخلافات كانت حول اتفاقية السوق الخليجية الواحدة والتي انطلقت في شهر يناير عام ٢٠٠٨، والتي اتفق بموجبها بين دول المجلس على تكامل أسواق الخليج مع بعضها البعض تكاملا كاملا . اما انشاء الاتحاد الجمركي ، فقد اتفق عليه بعد ثماني سنوات من تأسيس المجلس وبدأ بتنفيذه عام ٢٠٠٣ ومع ذلك كانت هناك استثنائات عديدة لأسباب داخلية.
*وفي خطوة عبرت عن عدم الشعور بالامن وعن دلالة القلق من تداعيات احتجاجات الشارع العربي، والخشية من تصديرها إلى الخليج، وجهت الدعوة في عام ٢٠١١ الى الاْردن والمغرب للانضمام الى عضوية مجلس التعاون وهي خطوة أحدثت للمراقبين، لا سيما في الخليج، مفاجأة غير متوقعة اذ إنهما دولتين غير خليجيتين في حين بقي ملف دولة جارة كاليمن مثار جدل على مدار سنوات طويلة.وتراوحت ردود الفعل الخليجية من خلال المنابر الإعلامية في تناولها للموضوع بين التذبذب والترحيب والرفض والتشكيك ، حسب الحجج التي استندت عليها كل جهه في مقارعتها للموضوع. ولكن في الاخير اصبح الموضوع نسيا منسيا.
* في عام ٢١٤ انفجر الخلاف بين قطر وبين ثلاث دول خليجية وساد توتر شديد في العلاقات ادى الى سحب السفراء . وقد تم تطويق الأزمة مرحليا بفضل الجهود التي بذلتها كل من سلطنة عمان والكويت دون ان يتم حل الأزمة جذريا وهي الازمة التي بقت تتفاعل الى ان انفجرت قبل أشهر.
المهم ان الخلافات الكثيرة ظلت كامنة وتتفاعل تحت الرماد . حصلت خلافات حول المواقف السياسية تجاه احداث ” الربيع العربي” وما نتج عنها من صراعات وحروب مدمرة وحول الحرب في اليمن والعلاقات مع ايران والموقف من سوريا وحماس وتركيا وحزب الله وحول اوبك وإسرائيل او غيرها وما زالت مستمرة. .