أحمد بن سليمان الكندي
إن حادث الحافلة الأخير في منطقة مخيليف بولاية صحم، والذي راح ضحيته عدة أشخاص وأصيب آخرون، قد كشف لنا عن أهمية تقييم استخدام هذه الحافلات كوسيلة من وسائل النقل، وذلك من ناحية ما توفره من السلامة المرورية لركابها، ومن ناحية مستوى جودة الخدمة التي تقدمها، ومن ثم النظر فيما يمكن إقراره من ضوابط ترفع من عوامل السلامة المروية لركاب حافلات النقل، وتزيد من مستوى الراحة فيها.
ومن المسلم به أنه عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على أرواح الناس وتحقيق راحتهم؛ فإن دراسة كل الإجراءات واتخاذ مختلف القرارات لتحقيق ذلك تغدو ملحة ومطلوبة.
وإذا ما عرفنا أن هذه الحافلات الصغيرة يمكن أن ينحشر فيها 14 راكبا بأغراضهم وأمتعتهم، وأنها يمكن أن تسير بهم في جميع أنواع الطرق، وفي مختلف التضاريس والأحوال الجوية، وبسرعة تماثل سرعة السيارات الصغيرة، وأنه ليس هناك من شروط محددة لسائق الحافلة، ولا يتم تأهيله لهذا العمل، وأن الحافلة لا تخضع إلى الفحص الفني إلا مرة واحدة في السنة، فنستطيع وفقا لهذه المعطيات الجزم بأن هذه الحافلة عندما تحمل 14 راكبا فإن سلامتهم بل وحياتهم تكون على المحك إذا ما تعرضت لأي حادث مروري لا قدر الله.
والمشكلة هنا ليست في الحافلات بحد ذاتها، وإنما في عدد الركاب الذين يمكن أن تحملهم مع غياب السقف القانوني لهذا العدد، لهذا فإذا كنا بطبيعة الحال لا نستطيع منع الحوادث فلا أقل من أن نتخذ خطوة في الاتجاه الصحيح بغية الحد من خسائرها البشرية، ولا شك من أنه عندما يقع حادثا -لا سمح الله- لحافلة وهي تحمل 14 راكبا فإن الوضع سيكون أسوأ من لو أنها كانت تحمل عددا أقل من الركاب.
واسترشادا بتجارب الدول الأخرى فيما يتعلق باستخدام هذه الحافلات، فيمكننا ملاحظة أن العديد من الدول تستخدم هذه الحافلات لنفس هذا الغرض لكن يتم تهيئتها من الداخل بكراسي تمنح راحة أكبر للركاب، وفي ذات الوقت تقلل من عدد الركاب الذين من الممكن أن تستوعبهم، وهذا بلا شك له ما يبرره من دواعي الأمن والسلامة ومن الحرص على رفع جودة الخدمة فيما يتعلق براحة الركاب.
ووفقا لهذا فإن أقل ما يمكن أن نتصوره لتحسين خدمة هذه الحافلات لدينا ورفع درجة الأمان فيها هو أن يكون فيها ثلاثة من صفوف الكراسي، وأن يستوعب كل كرسي ثلاثة ركاب فقط، بحيث يصل عدد ركاب الحافلة مع الراكب الأمامي إلى 10 ركاب.
إن تحديد 10 ركاب كحد أقصى لركاب الحافلات سيكون قراراً حكيما له مبرراته القوية التي يستند إليها، وسيكون له أثره الإيجابي في تحسين جودة خدمة النقل وتأمين عوامل السلامة المرورية فيها، ولعل مثل هذا القرار لن يقل أهمية عن جملة القرارات الحصيفة التي اتخذت خلال السنوات الماضية، وكان لها أثر مباشر وقوي في خفض عدد الحوادث المرورية وتقليص الخسائر البشرية الناجمة عنها، إذ لازلنا نذكر تلك الإحصاءات المرعبة التي كانت تصدر نهاية كل أسبوع بأعداد الحوادث وأعداد الوفيات والإصابات، فكم كان قرار إغلاق تقاطعات الموت في شارع الباطنة قرار حصيفا، وكم ساعد قرار نشر أجهزة ضبط السرعة وتغليظ المخالفات فيها على خفض عدد الحوادث المرورية، وكم ساعدت كاسرات السرعة على خفض حوادث الدهس والتصادم داخل المدن وعند التقاطعات، هذا على الرغم من جملة الاعتراضات وحالات التذمر وحملات الامتعاض الكثيرة التي رافقت صدور هذه القرارات والتي كانت لا ترى الأمر إلا من زاوية شخصية ضيقة، ويغيب عنها ضرورة أن يكون تحقيق السلامة العامة فوق كل اعتبار، وأن لا يكون حفظ الأرواح محلا للمساومة والجدل العقيم.