شيخة محسن الشمري
تدور أحداث الكتاب بجزئيه الأول والثاني إلى العشرين عاما فقط من مراحل الكاتب العمرية ويعتبر الكتاب من وجهة نظري كقارئة أنه مزيج من السيرة الذاتية للكاتب والتاريخ المسجل في تلك الفترة.
أما مضمون الكتاب فيعود إلى الحرب العالمية الأولى وأحداث التهجير التي حدثت لسكان وأهالي مكة المكرمة إبان الحكم العثماني والحصار الذي شهده آنذاك شريف مكة الحسين بن علي مع القبائل العربية في المدينة ومن ثم تهجيرهم إلى بلاد الشام بما عرف تاريخيا بإسم ( سفر برلك ) وهي كلمة تركية ومعناها (السفر جماعة بغرض التهيؤ للحرب خوفا من الجوع )، وكان الكاتب وأسرته المكونة من أخيه الذي يصغره وأمه وجده لأمه وخالته ومولودها من ضمن الأسر التي هجرت إلى الشام واكتوت بنيران الحرب.
️سرد الكاتب تجارب مليئة بمرارة الجوع والخوف وشدة الحصار والجوع وتفاصيل حياة الناس وتقاليدهم في تلك الفترة ووفاة خالته وطفلها ومن ثم أخيه الصغير وجده لأمه في بلاد الشام بسبب المرض، ومن ثم انتهاء الحرب وعودته مع والدته الى المدينة المنورة حيث مسقط رأسه مسترسلا بكتابة أحداث ما بعد الحرب.
أهدى الكاتب كتابه إلى روح أمه السيدة (فاطمة أحمد صفا) واكتفى بوضع صورتها .
️تحدث الكاتب عن والده السيد زاهد مراد ويبدو أنه من أصول غير عربية وكيف عاش يتيما بعدما سافر والده قبل الحرب بسنه إلى روسيا مع مجموعة من طلاب العلم بأمر من الوالي حينذاك لجمع التبرعات وذلك لبناء جامعة في المدينه، وكان عمر الكاتب في تلك الفترة تسعة أشهر فقط بحيث انقطعت أخباره تحت ظروف غامضة، ومع مضي السنوات تزوجت أمه من الدكتور (ضياء الدين) الذي عالجها من الحمى وكان الكاتب قد بلغ سن السابعة من عمره فأحسن الدكتور تربية الكاتب في صغره وتكريما لهذا الأب البديل فقد ذيل اسمه باسم زوج والدته فكان (عزيز ضياء زاهد مراد ).
️حينما كان الكاتب يسرد مذكراته كان يكرر اسم (ففم) ويقصد بها والدته … فقد كتب ليوضح سبب تسميتها بهذا الاسم ( ففم هو الإسم الذي تعودت منذ بداية الكلام أن أنادي أمي به واسمها فاطمة ).
️أما مقدمة الكتاب فكانت من نصيب ابنه (ضياء).
وحقيقة استوقفتني جمله بين سطور المقدمة لأقرأها أكثر من مرة …. حيث كتب لإبنه : ( لا تدري كم كانت حياتي حافلة بالأحداث قبل العشرين انك لا تدري مثلا أني قضيت طفولة فتحت عينيها على مآسي الحرب العالمية الأولى فعرفت الكثير الذي لا يملأ القلب عرفت اليتم الذي يعلق عين الطفل بوجه كل رجل يراه عرفت التشرد في الأزقة والشوارع التي يتساقط على أرصفتها صرعى التيفوس) .
وكان مرض التيفوس المعدي اللعين قد انتشر في تلك الفترة وقد أصيب المؤلف بهذا المرض لكنه وبعون الله ورحمته شفي منه .
من وجهة نظري كقارئة أن الكاتب أخفق عندما استخدم اللهجة الحجازية في سرد أحداث الكتاب دون ما يضع ترجمة لبعض المصطلحات والتي سوف يجدها قراء المجتمعات العربية مبهمه .
️ومن الأشياء التي لفتت نظري أثناء قرائتي لهذا الكتاب وبجزئيه أن هناك فئة من سكان المدينة يتقنون اللهجة التركية بمن فيهم أسرة الكاتب مع العلم أن المدينة خضعت لحصار الدوله العثمانية مدة لم تتجاوز الثلاث سنوات فقط .
عشت تفاصيل مرارة الكاتب وهو يسرد حكاية تهجيره مع أسرته (بالبابور) والبابور على الأرجح هو (القطار) إلى الشام ومن ثم الى (حماة) والإقامة في بيت (الصابوني) ومن ثم إلى (حلب) والإقامة في بيت (الكيخيا) ومن ثم الانتقال إلى بيت بالقرب من القلعه والذي تملكه عجوز من أصل تركي اسمها (لتافت باجي) والتي بدورها ساندتهم ووقفت بجانبهم أما تنقلاتهم هذه فكانت بسبب هروبهم من نزوح العدو واستيلائه على تلك الأماكن.
عاش سكان المدينة في تلك الفترة أسوأ حالاتهم كما عاش المهجرين منهم أيضا فقد تعرضوا للجوع والهزال وانتشار الأمراض، وكما كتب المؤلف أن سكان المدينة بمن فيهم ( قوات فخري باشا العثمانية جاعوا ذلك الجوع الذي جعلهم يأكلون لحوم الخيل والبغال والحمير التي تنفق بل ويأكلون لحوم القطط والكلاب ولا أستبعد صحة أخبار أن بعض الجياع قد أكلوا لحوم أطفالهم……) .
️بعد انتهاء الحرب رفض فخري باشا الإنصياع إلى أوامر كبار ضباط الدولة العثمانية والألمان بالإنسحاب ومغادرة المدينة باكيا على فراق قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكنه في النهاية رضخ لأوامرهم ووافق بعدما وضع شرطا لا يقبله عقل مسلم عربي وللأسف تمت الموافقة على شرطه … فقد كتب المؤلف: (بعدما جرد فخري باشا الحجرة النبوية في الحرم الشريف من جميع الهدايا التي وجدها فيها وعبئها في صناديق اشترط ألا يفتحها أحد من القوات العربية وأن تظل تحت حيازته شخصيا وأن يسلمها من دون نقصان إلى المختصين في دار الخلافة في اسطنبول…. وهذا ما أثار غضبي وسخطي كقارئه عربية مسلمة .
️تحدث المؤلف عن الأحداث والوقائع والظروف القاسية المريرة التي أعقبت رجوعه مع والدته إلى المدينة المنورة ومعاناته بعد تعرض منزلهم للسرقة حيث سرق اللصوص كل الأشياء الموجودة في المنزل .
هناك بعض الأقاصيص التي ذكرها المؤلف في كتابه والتي توقفت عندها لأستوعب تفاصيلها ومنها حكاية الثعابين الضخمه والتي تعيش مع سكان المدينة في بيوتهم وقد أطلقوا عليها اسم (الساكن) ولا أخفيكم أمرا أنني وأثناء القراءة شعرت بالخوف حتى كدت أطوي صفحة إكمال هذه القصة .
️ تحدث المؤلف عن حياته الشخصية الخاصة بزوج والدته الدكتور ضياء الدين وعلاقته به والذي كان يعمل ضابطا كبيرا في الدولة العثمانية بعد أن حكم القاضي بطلاقها من والده الأسبق على المذهب المالكي وكل ما ذكره عن زوج والدته أنه كان له أبا بديلا وقد استطاع أن يعوضه غياب والده بل وكان أحن إليه من والدته .
في الجزء الثاني من كتاب (حياتي مع الجوع والحب والحرب) أعاد المؤلف كتابة المثل الفرنسي والذي ذكره كبدايه في الجزء الأول وهو (الحياة كالبصلة يقشرها المرئ وهو يبكي ) ثم تحدث في هذا الجزء عن مرحلة الطفولة كما قال : لا أكاد أبدأ الجزء الثاني من قصة (حياتي مع الجوع والحب والحرب) حتى أجد نفسي وطفولتي التي بدأت مع رياح الحرب العالمية الأولى كما تحدث عن أثر التعليم والتعلم والمنهج للتدريس في المدرسة والكتاب .
تأثرت بوفاة الخادمة (منكشه) وحيدة في منزلها بعد زواج والدة المؤلف … حقيقة آلمتني هذه الحادثة كثيرا وتأثرت بنهايتها المحتومه بهذه الطريقة خاصة أن الكاتب أوضح مدى اخلاصها طوال فترة خدمتها لهم وهي الفترة التي سبقت أحداث التهجير الى بلاد الشام .
️تحدث المؤلف عن ولادة أمه لأخته ومن ثم ولادتها لأخيه شاكر .
من أبرز الأحداث التي تحدث عنها المؤلف في الجزء الثاني من كتابه هو رحيل الشريف حسين وابنه (علي) لحماية مدينة (جدة) في حين استلم (عبدالمجيد باشا) حماية المدينة المنورة من مجموعة الاخوان أو كما يسمونهم (الغطغط) ولم يوضح الكاتب معنى هذه الكلمة وعلى أية حال كان يقصد جيش (ابن سعود) والحرب التي حصلت بينهم وفرضت الحصار للمرة الثانية على المدينة والتي أنهت حكم الشريف حسين وأولادة وأذنت ببداية حكم (الأمير عبدالعزيز بن سعود) للمدينة المنورة .
️دراسة المؤلف لمهنة التمريض في جدة وتعلمه لاستخدام الآلة الطابعة ودخوله مسابقة سرعة الكتابة التي أشار إليها بفوزه بحيث شهد الأمير (فيصل بن عبدالعزيز) حضورها ومتابعته لها شخصيا كانت أيضا من أبرز الأحداث والمحطات التي سردها المؤلف في مذكراته وخاصة أن الأمير (فيصل) قد منحه جائزة كبيرة وهي عبارة عن ثلاث جنيهات ذهبية بالإضافة إلى (البسكليته أو العجله) مع ساعة ثمينة ماركة (زينيث) من أرقى الماركات في سويسرا .
️ومن أبرز محطاته أيضا أنه تم اختيار المؤلف للعمل موظفا في مكتب المدير العام كمقيد وكاتب آله ومن ثم عمله (كاتب ضبط) في شرطة المدينة وأخيرا انتقل الى السلك العسكري برتبة ( مفوض ثالث ) .
️لم تخلو مذكرات المؤلف من الحكايات الطريفة في كتابه (الجزء الثاني) لعل من أبرزها العبث بتحضير قنبله وتفجيرها مما تسبب بإخافة أهل بيته والجيران وبعض الجنود وأيضا حادثة روايته لصديقه بحشو جمجمة الميت بالحمص .
️أثناء قرائتي لهذا الكتاب حقيقة أحاطت بي تساؤلات مختلفه مخلوطه بمشاعر مبهمة وأحاسيس مؤلمه بحجم المعاناة التي رواها المؤلف وتعايشها في كتابه (الجزء الأول) ولكن المطاف انتهى بي إلى قول الحق سبحانه وتعالى في سورة قريش : ( الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) سبحانه وتعالى بصير بالعباد ولكنني وبالمقابل سعدت جدا بإنجازاته التي أنجزها في كتابه (الجزء الثاني) .
️ختاما يمكننا القول إن هذا الكتاب خير كتاب ومرجع تاريخي من شاهد عيان للحرب العالمية الأولى ويعد من أوثق المصادر الجغرافية والتاريخية بما فيها من آثار وانعكاسات على المجتمعات العربية وتمنيت حقيقة بإكمال سرد مذكراته إلى ما بعد العشرين الأولى من عمره وخاصه أنه رحمه الله بدأ بكتابة أحداث حياته وهو في عمر السبعين من عمره .