عائشة بنت جمعة الفارسية
لم تكن مجلة العربي يوما وسيلة نشر للثقافة وحسب، بل حاملة لرسالة اجتازت بها كل الفوارق، معلنة بذلك من خلال عنوانها أنها كانت ولا زالت علامة مميزة تتجاوز البعد المكاني لتطل على المواطن العربي أينما كان.
إن المطلع على ما تنشره المجلة منذ بدايتها العتيدة وحتى اللحظة، يجدها كما ضم الخليج في قيعانه ولفظت شواطئه من درر، حوت بدورها فيضا من كنوز اللغة والأدب، فتجد القصة والخاطرة والحوار والتلخيص، ومواضيع الترجمة والحضارة والتاريخ وغيرها.
مسارات المجلة نهل منها الأديب والقارئ، الفصيح منهم والهاوي والمتعطش للمعرفة.
لم تنحصر رسالة المجلة على فئة عمرية بعينها، فتسلح العربي الصغير بالثقافة على قدر حاجته لتكون اللبنة التي يشد على أثرها أساس الفكر النيّر.
ونحن هنا اليوم من خلال معرض مسقط للكتاب في دورته الـ26 ننقل مشاهدا تبرز من خلالها بصمات العربي من خلال مندوبيها الأستاذ عبد العزيز الصوري والأستاذة دلال المطيري، من خلال التعريف بها، حيث وضعت لوحات تحوي أغلفة الأعداد التي تفردت بها عن سلطنة عمان وقد عرضتها في المقدمة تحت عنوان “عمان في عيون العربي”، عند بوابة الدخول الأولى لترسل إشارة للفطن أنها يجب أن تكون اختيارك الأول.
وكان التنسيق أشبه بمعرض فني عرضت للجمهور لتعلم الجميع أنها حاضرة ولكن بشكل مغاير، ولتمر عين المشاهد عليها كتحفة فنية، وتعلمنا بطريقة غير مباشرة أن الكتابة فن يجب أن نحسن اختيار مفرداته ليقبع في نفوسنا ويلتصق بعقولنا وتترجمه أحاسيسنا، فتينع بذلك مخرجات اليراع قنوات شتى كل ينهل منها حسب رغبته.
وعند دخولك لجناح العرض المخصص للمجلة، لم يكتظ الركن أكواما بل عرض مسلسلا بأعدادها، كل عدد يأخذ مساحته على جانبين أقرب إلى رص فسيفساء المغرب العربي الذي سحر بجماله العقول، ممتزجا بألوان أغلفتها وحجمها الموحد يمنح للزائر نسخة هدية لا تباع، لا تحتاج إلى تغليف ولا شريط يربط أو وردة يزين بها تكفي هي وحدها الزينة بما حوتها.
وتكمل العربي مسيرتها في معرض مسقط للكتاب 2022 بنشرها إعلانا تطلب لقاء صاحبة الغلاف لعدد يونيو 1971، لتلتقي بها من جديد بعد 50 عاما وهي بذلك تصل الماضي بالحاضر وأن دور المجلة يتعدى الكتابة والطباعة والتسويق.
خلال تواجدي في المعرض كانت لي وقفة مع طالبتين جامعيتين عرضت عليهما أحد إصدارات العربي.
لم تتعرفا إليها ولأول مرة تراها، مع أن اللوحات المعروضة بالأغلفة تبعد عنا قرابة ١٠٠ متر، وعندما رأيت مشترياتهن وجدتها روايات مترجمة لأديب روسي.
وللعلم البيئة قارئة وقد تكون مكتبة البيت بها إصدارت لمجلة العربي، ولكن لسبب أو لآخر تعذر الحصول على ما يجب الحصول عليه أولا.
إن تلك القفزات غير المدروسة في سلم الثقافة ينبغي أن تنال منا الاهتمام، لتكون المحصلة رصينة فإذا ما حان وقت ترجمتها تكون اللوحة الفنية المكتملة التي لا تحتاج إلى تشذيب أو زخرفة.
ولعلنا إذ نعّرج بهذا العرض إلى ما تطالبنا به مجلة العربي نحن كأفراد وأسر بأن نطبق سلوك التعلم الممارس في حياتنا اليومية، أن نشبع أعيننا وأعين أبنائنا بالمعرفة عن طريق العرض بترغيب الأبناء في القراءة وتنسيق مجاميع الكتب التي تزج بها مكتبات المنازل عند البعض وتشريع قانون التبادل المعرفي ترغيبا للناشئة، واستمرارية التواصل المعرفي والعمل على ديمومته، والنهل من جميع مسالك الأدب.
“الجهل الحقيقي ليس في غياب المعرفة بل في رفض اكتسابها”. كارل بوبر