عبدالله الشافعي- شؤون عمانية
تعد المصداقية الإعلامية أحد أهم المشكلات التي تواجه المؤسسات العاملة في مجال الإعلام، وتخشى الكثير من المؤسسات من فقدان ثقة الجماهير فيها.
وفي ظل ما نشهده من تطورات تكنولوجية وتشريعية، هل هناك أزمة ثقة ما بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية؟ وهل ما تنشره هذه المؤسسات يلبي تطلعات الجماهير في المعرفة؟ وهل المصداقية الإعلامية تقع على عاتق المؤسسات العاملة في هذا المجال فقط، أم أن للحكومات دورا في تعزيز ثقة الجمهور أو فقدانها؟.
المصداقية الإعلامية
يرى الدكتور محمد المشيخي، أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري، أن المصداقية تعد من القضايا الكبيرة والمهمة في المجال الإعلامي، وأن الكثير من المعلومات التي يتم نشرها تندرج تحت توصيف “الدعاية البيضاء” بهدف نشر الجانب الإيجابي الذي يمدح في المؤسسة أو المسؤول.
وأرجع السبب في هذا الأمر إلى عدم قدرة الصحفيين والمؤسسات على الوصول للمعلومة الكاملة، وأن صانع القرار أو المسؤول أو من يمتلك المعلومة لا يسمح إلا بهذا القدر الإيجابي.
وتوضح فاطمة العريمية، رئيسة تحرير وكالة واف الإخبارية، أن عدم تجاوب الجهات الحكومية مع الإعلام تجعل الصحفي محصورًا في زاوية هذا القليل من المعلومات.
وتؤكد: “الأمر حينها يعود لقوة وسيلة الإعلام ومصادرها في سد فجوة غياب المعلومة الحكومية”.
“نحن نعاني من قلة المعلومات، هناك شح في تدفق المعلومات الخبرية وتحفظ دائم من الجهات المسؤولة في إعطاء المعلومات”.. هكذا تصف منى المعولية، رئيسة تحرير وهج الخليج، الوضع.
وتابعت “المعولية” أن كل مؤسسة إعلامية تتمنى النشر على نطاق واسع وأن يكون لديها معلومات كافية، إلا إن الشح يكمن في المؤسسات والوزارات نفسها وهناك ضعف في توريد المعلومة”.
الثقة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية
لا ترى رئيسة تحرير وهج الخليج أن هناك أزمة ثقة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية، موضحة: “أرى انسجاما وتناغما وتفاعلا بين ما تبثه المؤسسات الإعلامية الخاصة بالذات والجمهور، وربما يكون ذلك التفاعل أقل منه في الجانب الرسمي”.
وعلى الرغم من ذلك فإنها لا ترى أنه يمكن لوم العاملين في المؤسسات الرسمية لأنهم يجتهدون في إبراز أي حدث يخص السلطنة بالإضافة إلى الجهود المتنوعة الأخرى.
ويتفق معها في الرأي، فاطمة العريمية، التي تعتبر أن كل فئة تثق في وسيلة أو وسائل إعلام دون غيرها، وأن الثقة في الإعلام الخاص أعلى أحيانًا منها في الإعلام الحكومي.
واستثنت “العريمية” بعض الحالات حين يظهر الإعلام الخاص تأثره بصورة مستفزة بالمصالح التجارية أو السعي وراء أعداد متابعين من خلال استخدام أسلوب الإثارة.
وعادت منى المعولية للحديث عن الثقة في الإعلام الخاص بشكل أكبر قائلة: “وسائل الإعلام الخاصة ربما تميل إلى كسر الحواجز الجليدية وربما التعمق في قضايا المجتمع والتفاعل مع الجمهور بشكل مباشر، وهذا هو الصحيح من وجهة رأيي، ولذلك وسائل الإعلام الخاصة موجودة وتستطيع أن نلاحظ أنها تتمتع بمساحة حرية لا بأس بها ونحن نتابع اللقاءات والتصريحات والتفاعل مع القضايا العامة باستمرار”.
لكن الدكتور محمد المشيخي يختلف نوعا ما مع هذا الطرح، ويؤكد أن الإعلام العربي من الوسائل التي فقدت مصداقيتها بشكل كبير على مر العقود، بسبب مشكلتها مع السلطة والجهات التي تملك المعرفة والمعلومة.
ويضيف أنه بسبب هذا الأمر يجد الصحفي أو الإعلامي أنه لا يمتلك الكثير من الخيارات، وعندما ينشر معلومة إيجابية يشكك الجمهور في مصداقيته، لأنه قد يكون جزء من هذا الجمهور له علاقة بالمؤسسة التي تم نشر خبر عنها ويعرف الكثير من التفاصيل المخفية والتي لا يتم إظهارها في وسائل الإعلام أو تسلط الضوء عليها.
وذكر “المشيخي” أن المشكلة هنا ليست في الإعلامي ولا الصحفي ولا المؤسسة، لأنهم يريدون توصيل المعلومة كاملة، لكنهم يخضعون لقوانين لا ترحم ورقابة غير منطقية.
أسباب فقدان الثقة في المؤسسات الإعلامية
على الرغم من السعي الحثيث للكثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية لكسب ثقة الجماهير، إلا أن هناك بعض الممارسات التي قد تحدث فتفقد المؤسسة مصداقيتها.
وتشير منى المعولية إلى أن “المصادر غير الموثوقة” هي من أهم أسباب الوقوع في فخ نشر المعلومات الخاطئة، وأن هذا الأمر كفيل بخسارة الثقة المكتسبة من الجمهور.
واستشهدت بما أسمته ” مصادر غير موثوقة في الواتس اب”، معتبرة أن هذا الأمر هو أقصر طريق لإفقاد المؤسسات للإعلامية لثقتها.
وركزت فاطمة العريمية على جانب آخر من الجوانب التي تتسبب في خسارة المؤسسات الإعلامية لثقة الجمهور.
وقالت: “تأثير المصالح التجارية بصورة فجة أو استخدام أسلوب الإثارة القائمة على التلاعب بالكلمات أو أقوال مسؤولين أو تصريحاتهم هو أهم أسباب خسارة ثقة الجماهير، ولكن سقوط المصداقية للأسف لا ينتج عنه دائمًا انخفاض أو تراجع عدد متابعي أو متداولي مواد هذه الوسيلة”.
ويوجه الدكتور محمد المشيخي اللوم على صانع القرار لأنه لا يسمح بنشر المعلومة الكاملة وأن في ثقافتنا العربية لا أحد يتقبل النقد ولا يعترف بتقصيره أو الخطأ الذي يقع فيه.
ما الحل؟
بعدما تحدث المتخصصون والعاملون في المجال الإعلامي حول قلة المعلومات وصعوبة الحصول عليها، فما هي الحلول والخطوات التي تعالج هذه المشكلة وترضي تطلع الجماهير للمعرفة الكاملة؟
فاطمة العريمية تقول إنه يجب على المؤسسة الإعلامية امتلاك رؤية واضحة عن جمهورها المستهدف، وتقديم الجديد والدقيق الذي يستهدف هذه الفئة، وعدم ركوب الموجة التي تجعل الكثير من وسائل الإعلام تعيد تدوير المواد ذاتها.
وأضافت أنه كلما استطاعت وسيلة الإعلام تقديم محتوى مختلفا ودقيقا كلما استطاعت بناء ثقة لدى جمهورها، معتبرة أنها عملية تستغرق وقتًا.
ويؤكد الدكتور محمد المشيخي أن وجود الإرادة السياسية للحصول على المعلومات سيساهم في حل هذه المشكلة، وسيترتب على ذلك وضع قوانين وتشريعات تسمح بالحصول على المعلومات، بالإضافة لمعاملة وسائل الإعلام على أنها شرك وليس عدو.
واستشهد “المشيخي” بتجربة في عام 2008 حينما وجه جلال السلطان قابوس بن سعيد المعظم جميع المؤسسات الحكومية بالتعامل مع وسائل الإعلام وأن تكون صادقة في إمدادهم بالمعلومات المطلوبة.
وأضاف: “في ذلك الوقت حقق برنامج هذا الصباح انتشارا واسعا، وأذكر أن مواطنة تعاني من إعاقة جسدية ذهبت إلى وزارة وطالبت مقابلة الوزير وقدمت طلبا لحاجة لها، لكنهم رفضوا طلبها، فاتصلت بالبرنامج وقالت “وطني قصّر معي”، فتم مباشرة التواصل مع الوزير ومواجهته بالأمر، وتم توجيه مدير عام للذهاب إلى المواطنة لتلبية متطلباتها”.
وشدد الباحث في الرأي العام والاتصال الجماهيري على ضرورة إيجاد قنوات للحصول على المعلومات دون تجاوز الخطوط الحمراء.
وأوضح: “في ظل ما هو حاصل الآن، الإعلامي الجيد يمسك العصا من المنتصف ويحاول إرضاء كل الأطراف، يقدم جزءا من الحقيقة ولا يكشف عورات المسؤول بالكامل، هكذا تسير الأمور”.