الكاتب: مرتضى بن حسن بن علي.
ما رُسّخ من الاجتماع الاخير للقمة الخليجية الاخير في الكويت أعطى انطباعا انه ما عاد هذا المجلس مثلما كان من امال وطموحات أهل المنطقة في مجال تطوره ، ان لم يكن مرشحا لمزيد من الانحسار على الرغم من الجهود الكويتية الكبيرة لانقاذها مدعومة مع الجهود العمانية . وما لم يحدث تطور جديد مفاجئ فان مناسبة انشاء مجلس دول التعاون الخليجي في ٢٥ مايو ١٩٨١ سوف تمر مرور الكرام وسوفتختفي الاحتفالات الفولكلورية المتكررة حول إنجازاته على الورق ، و بعد ان حدث ما حدث من خطوب لمسيرة المجلس ربما سوف نتذكر هذا البيت للمتنبي :
عيد باية حال عدت يا عيد
بما مضى ام بأمر فيك تجديد
فجرّت الازمة الاخيرة الخلافات الدفينة وظهرت الى العلن بشكل غير مسبوق فاجأت حتى اكثر الأشخاص العارفين ببواطن الأمور ورافقتها حملة إعلامية واسعة واتهامات متبادلة خطيرة كانت مخصصة الى أشهر قليلة مضت لايران وسوريا والعراق واليمن كما تم فرض حصار جوي وبري وبحري غير مسبوق على دولة عضو في المجلس واكتشفنا ان ما كان يقال لنا سابقا عن إنجازات المجلس عبر وسائل الاعلام كان وهما وقد تبدد وحلما وقد انسخط . واظن ان كثيرين يتذكرون عدداً من الخلافات الخليجية التي كانت تظهر على السطح بين فترة واُخرى مثل تباين وجهات النظر حول الحصار القاتل على العراق منذ مطلع التسعينات وحادثة الخفوس الحدودي بين المملكة العربية السعودية وقطر والاتهامات المتبادلة حول ما أعلنته قطر عن تمويل وتشجيع محاولة لقلب النظام في قطر في عام ١٩٩٦ والخلافات حول العملة الخليجية الموحدة ومقر البنك الخليجي المركزي المقترح وتعيين الامين العام لمجلس دول التعاون وتكرار الرفض المتراوح بين الخجول والصريح للانتقال من مرحلة التعاون غير المنجز والقفز الى مرحلة الاتحاد الشامل من غير المرور بالمحطات الضرورية الموصلة الى الاتحاد الشامل وانعدام التنسيق حول السياسات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والتباين حول ملفات إقليمية عديدة وصولا الى اعلان معالي يوسف بن علوي بن عبدالله عن اعتقاده بان دول مجلس دول التعاون “ غير مؤهلة لهذا النوع من التحول في الوقت الحاضر“ .
واليوم اذا أردنا ان ننظر الى تجربة مجلس التعاون الخليجي وتقييم أدائه بعد مرور ٣٦ عاما على إنشائه فلا بد ان نجري مقارنة بين الوضع السائد عند إنشائه وبين الوقت الراهن ،، مقارنة بين مجموعة من المتغيرات الكبيرة في ثلاثة مراحل أساسية، مرحلة الظروف السائدة وقت انشاء المجلس والمرحلة التي مرت بها التجربة والمرحلة الحاضرة ، ومن المتغيرات هي:
مجموعة متغبرات البيئة العربية ومتغيرات البيئة الإقليمية ومجموعة البيئة الدولية ومجموعة البيئة النفطية وبالتالي الاقتصادية. في مرحلة إنشائه تضافرت عدة عوامل تدفع جميعا نحو انشاء مجلس التعاون . فمن المتغيرات العربية :
اولا: انحسار المد القومي العربي الذي بدأ في الخمسينيات من القرن الماضي تمثله مصر وهي دولة لها ثقلها . واستهوت الفكرة القومية العابرة للطوائف كثيرين من الناس عبر امتداد الوطن العربي.
ثانيا: ظهور العراق كقوة عربية صاعدة ، ثم دخوله في حرب مع ايران دامت ثماني سنوات وما افرزتها من اعادة انتاج الفتنة التاريخية الاسلامية القديمة التي اعيد توظيفها لأحداث قطيعة بين الحالة الاسلامية والحالة القومية. وتحمس اصحاب المصلحة في التوظيف فباعوا السلاح الى الجانبين ، وقدموا المعلومات هنا وهناك لكي تستمر الحرب، وبحيث لا يخرج منها منتصر ومهزوم ، وإنما يخرج طرفان كلاهما مهزوم .
ثالثا: اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وظهور ردود فعل غاضبة شكلا على اقل تقدير وابتعاد مصر عن محيطها العربي وما أعقب ذلك من سحب السفراء العرب من القاهرة ونقل مقر الجامعة العربية منها الى تونس.
رابعا: اعادة تشكيل حركات الاسلام السياسي واتجاهها لمزيد من العنف وانقساماتها المتوالية الى حركات اعنف .
خامسا: دخول القوات السوفيتية الى أفغانستان والمحاولات الغربية لاستنزاف الاتحاد السوفيتي وغرس الخنجر في ظهره وبداية مقاومته ونشوء حركة القاعدة وحركات الاسلام السياسي المختلفة. ولعل “مكسب العرب“ الوحيد اذا جاز وصفه بالمكسب ان الافا من الشباب العرب ارسلوا اليها جنودا للإسلام مقاتلين، ثم عادوا منها ليقفوا امام المحاكم العسكرية في اوطانهم ارهابيين. وتداعيات ما حدث تحتدم الى الان. اضافة الى وجود خطر شيوعي في جنوب الجزيرة العربية.
سادسا: الإطاحة بنظام الشاه في ايران وسيطرة الجناح الديني على السلطة وردود الفعل الواسعة حول ذلك التي ولدّتَ لدى تيارات إسلامية أخرى، سنية وشيعية تصوراً بإمكانية تكرار مشابه لما فعله الخميني في إيران، وتخّوف الحكومات العربية والعالمية في نفس الوقت من نجاح حركات إسلامية وقدرتها على السيطرة على بلدان أخرى في المنطقة، ونشوء دول أو جمهوريات “إسلامية” خارج نطاق السيطرة.
سابعا : احتلال الحرم المكي وتسببها بسفك الدماء في ساحة الحرم الملكي في عام 1979 من قبل جهيمان العتيبي وأنصاره وزعمه انه قام بالعمل نصرة للمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جوراً وظلماً والدعوة إلى مبايعة محمد بن عبدالله القحطاني، خليفة للمسلمين، وإماماً لهم بصفته المهدي المنتظر. وما أعقب ذلك من تداعيات على السعودية وما أنتجتها من التشدد الديني وتوسعه ، وهي الحادثة التي أشار اليها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان عندما صرح ان هدفه هو إرجاع الاسلام المعتدل الى ما كان عليه قبل احداث ١٩٧٩.
ثامنا: الارتفاعات المستمرة في أسعار النفط بعد حرب عام ١٩٧٣ وما شكلته من تدفق أموال خيالية للخزائن الخليجية .
تاسعا: بداية الحرب العراقية الإيرانية وقيام معظم دول الخليج بالوقوف الى جانب العراق ومساعدته ماليا.
عاشرا: نهاية الحرب وخروج العراق مرهقا ماليا بعد انتهاءها وتوقف المساعدات الخليجية عنه في الوقت الذي كان بحاجة اكبر لها، دفع العراق الى عملية غزو الكويت بدعوى وحدة التراب العراقي. وكانت العملية خطأ في كل القواعد، إبتداءً من قواعد العرف القومي وضوابطه التي تفرضها اسباب التاريخ القريب وتجاربه ، وانتهاءً بقواعد الحساب الدولي ومنافعه التي ترسم خطوطها على الرمال . وبصرف النظر عن كل الأخطاء التي وقعت ورافقت الغزو فان أجوائه احدثت انفلاقا في الكيان العربي الذي كان متصدعا أصلا قبل ذلك . والاسوأ ان حلا عربيا وخليجيا كان ممكنا لهذه الأخطاء في الحسابات والمضاعفات ، ولكن هذا الحل الممكن تحٌوّل الى مستحيل لان القوى المسيطرة كانت لديها أولوياتها وطلباتها ومن ضمنها تدمير العراق وليس تحرير الكويت فقط . وكانت تصفية القوة العراقية مطلبا اسرائيليا بالدرجة الاولى ، ومن سوء الحظ انه تحوٌل مطلبا عربيا وخليجيا تحديدا . والحرب لتحرير الكويت وتدمير العراق انشأت في الواقع تحالفا على الارض بين العرب وإسرائيل نمى مع مرور السنين .
الحادي عشر: ولادة احساس لدى دول الخليج بضرورة حماية نفسها واعتقادها ان المال المتدفق على خزائنها سوف يجلب الاستقرار والتقدم والرقي من دون معرفة لشروط التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي وكانت النتيجة انه حتى مستوى الأداء الداخلي لم تتمكن معظم الدول الخليجية من احراز تقدم حقيقي على جبهات عديدة .
الثاني عشر: “الحرب الأهلية” في لبنان وتباين المواقف منها ، ولَم تكن تلك الحرب أهلية فقط . وإنما كانت حرب عربية-عربية ، وعربية -دولية ، وقعت على ارض لبنان ، واقتصت ضرائبه من ارواح وثروات شعبه وما تبعها من اجتياح اسرائلي سافر وبداية ظهورونمو قوة حزب الله ودخول ايران على الخط مباشرة عن طريق تقديم الدعم للحزب والحركات الاسلامية الاخرى ، السنية منها والشيعية وما تبع ذلك من انسحاب الفصائل الفلسطينية من لبنان ونزول القوات الامريكية والفرنسية واضطرارها للانسحاب بعد تكبدها خسائر كبيرة في الأرواح.