هارون بن سالم الحسيني
وضع الحلول المبتكرة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية واجب على كل فرد في المجتمع المساهمة فيه، وهم المستفيد الأول، وهنالك تجارب كثيرة ثبت نجاحها على مستوى العالم؛ تمكن فيها أفراد المجتمع أنفسهم من وضع حلول مناسبة لتخطي مراحل اقتصادية حرجة، فعند الأزمات تبرز الحلول، وما يعكر صفو حياة المواطن حالياً نتيجة الأزمات الاقتصادية العالمية يمكن تجاوزه بالمبادرات التي يقدمها البعض وتلقى استحسان الجمهور، لذلك كان طرح فكرة تأسيس جمعية الغارمين أمر متوقع من شعب له تجارب كثيرة في التكاتف والتعاون وابتكار الحلول لمعالجة أوضاع مختلفة، فمشاهد التضامن لتخطي تأثيرات شاهين ما تزال حاضرة في أذهاننا إلى اليوم، أما تحويل فكرة الجمعية إلى واقع حقيقي والتجارب الخارجية المشابهة وما قدمته من فوائد للحكومات والشعوب فهو موضوع هذا النقاش، حيث يدفعنا الحماس الكبير لهذه التجربة لمعرفة الكثير عنها.
دواعي تأسيس جمعية الغارمين إنسانية في القام الأول
جاءت فكرة تأسيس الجمعية في فترة يعاني فيها العالم من وباء كورونا الذي لم تقتصر تأثيراته على الفرد؛ بل اتسعت دائرة تلك التأثيرات لتشمل أغلب مؤسسات القطاع الخاص والعام، الشركات لجأت إلى تسريح بعض موظفيها والبنوك تعاني من ارتفاع في أعداد القروض المتعثرة والضغوط تتزايد على المؤسسات الحكومية التي يأمل المواطنون بأن يجدوا فيها مخرج لبعض مشكلاتهم، عدد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أغلقت، ووسائل التواصل الاجتماعي تضج برسائل عن رواد أعمال وصل بهم الحال للإفلاس؛ وأعداد قضايا التعثر المالي في المحاكم تشير إلى أن الوضع سيء بجميع المقاييس، هذا الواقع نشترك فيه مع الكثير من دول العالم، وما يميزنا بأن هذا الواقع أفرز مبادرة مجتمعية للتخفيف من المعاناة، الهدف الأساسي من المبادرة هو تخليص أكبر عدد من فوائد الديون البنكية، والهدف المهم الآخر هو تخليص المعسرين من التبعات القانونية التي تسببت بها ظروف كانت مفاجئة للجمينع، وجميع تلك الأهداف إنسانية في المقام الأول.
الاتحاد الأوروبي والهند وأمريكا ودول أخرى دعمت هذا التوجه
الأزمات الاقتصادية العالمية أظهرت حلول مبتكرة لتصحيح أوضاع الأفراد المتضررين من تلك الأزمات؛ وقد كان المتضررين أنفسهم هم مصدر الحل، وبشكل خاص رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة والذين لم تسمح ملائتهم المالية بتحمل الأزمة، وقد كانت أبرز الحلول المطروحة فعالية هي وضع هياكل وآليات للإقراض والتمويل بعيداً عن الهيكل الرأسمالي المبني على الفوائد والتي تكون في الغالب مركبة لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي عند الأزمات الاقتصادية المتكررة.
لتحقيق تلك الحلول تم وضع الأسس التشريعية والتنظيمية وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني لتنظيم هذا العمل، كما تنوعت الأهداف؛ بين تقديم الإعانات المالية للمتعثرين وتسديد مطالباتهم المالية بطرق ممنهجة، وتوفير مصدر دخل للأسر، والهدف الأشمل وهو تقديم الدعم المالي لجميع فئات المجتمع ممن هم بحاجة للدعم، جميع المبادرات التي تم تنفيذها لتحقيق تلك الأهداف تشترك في أهم الجوانب وهو حماية الفئة المستهدفة من الفوائد الربوية على التسهيلات المالية المقدمة لهم مهما كان نوع تلك التسهيلات، وتشترك أيضاً مع بعضها في أنها مبادرات مبنية على تكاتف أفراد المجتمع والتمويل الذاتي بعيداً عن المؤسسات الربحية.
من أهم النماذج لهذا النوع من الأفكار المبتكرة على مستوى العالم، أسلوب “التمويل الجماعي/ Crowdfunding”، وهو التوجه الذي أصبح سائدًا منذ 2015م لتحصيل الأموال من المجتمع وتوجيهها للفئات المحتاجة، وقد استفادت المؤسسات المعنية بالتمويل الجماعي من التكنولوجيا وأصبحت تمارس أعمالها عن طريق منصات إلكترونية مخصصة لهذا النوع من التمويل، لاقت هذه الفكرة رواج كبير في عدد من دول العالم مثل الهند وأمريكا والاتحاد الأوروبي وانتشرت بعدها في أغلب دول العالم.
في سلطنة عمان اصدر قرار رقم (151 / 2021) لتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال للسماح بممارسة نشاط منصات التمويل الجماعي في سلطنة عمان، وأصدر سعادة الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال قرار رقم (153 / 2021) لاعتمادالضوابط التنظيمية للنشاط، ويقتصر نشاط هذه المنصات في الوضع الحالي على تمويل المجتمع للمشاريع الصغيرة والمتوسطة كبديل لمؤسسات التمويل التقليدية وفوائدها المركبة، وهو ما يعد خطوة جيدة لتخليص المجتمع بشكل تدريجي من الحاجة للتمويل ذات الفوائد المرتفعة.
الجهود الأهلية لخدمة المجتمع والحكومة
أشارت نتائج تقرير صادر عن “الشبكة العربية للمنظمات الأهلية” في عام 2017م، إلى أن أغلب أنشطة المنظمات الأهلية في الوطن العربي تتركز على الجانب الخيري والرعائي، وذكرت الدراسة أن أكثر من 55% من المنظمات الأهلية على المستوى العربي تنشط في مجال العمل الخيري، وأكد التقرير الدور الفعال والمؤثر لهذه المنظمات في مكافحة الفقر من خلال المشروعات الصغيرة التي تؤسسها، والقروض الصغيرة التي استفاد منها ملايين الفقراء في الدول العربية، يدل ذلك على أن للمبادرات الأهلية دور فعال في تنمية المجتمعات ومعالجة الإشكالات التي تعانيها، وذلك ما يوفر على الحكومات الجهود التي يمكن أن توجه في اتجاه آخر لوضع بنى أساسية وخدمية تساهم في تنمية المجتمع، وبالتالي يظهر التكامل في العمل بين الحكومة والمجتمع.
جمعية الغارمين نموذج للابتكار الاجتماعي
جمعية الغارمين نموذج لابتكار المجتمع حلول ذاتية لمشكلاته، يبقى أن الجانب التشريعي والرعاية الحكومية لجمعية الغارمين عنصر مهم لنجاحها في خدمة المجتمع والوصول إلى الهدف الرئيسي في فك كرب الأسر المتعسرة، وتوفير فرص لبداية حياة جديدة للعديد من الأسر بعيد عن فوائد الديون البنكية، وتوفير فرص للشباب للحصول على تمويل بدون فوائد لبدء مشروعهم الخاص أو تكوين أسرة على أسس سليمة.