هارون بن سالم الحسيني
جاءت التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم باتباع منهج اللامركزية، وإعطاء المحافظات مزيد من الحرية في قراراتها المجتمعية، وقد كانت حاجة المحافظات لتنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة؛ تستدعي هذا التوجه لتحفيز المجتمع على المشاركة في التنمية، ليكون للفرد دور أكثر أهمية في الوصول إلى مراحل متقدمة من التطور والنمو في مختلف المجالات، وبمستويات تتوافق مع تطلعاتهم وآمالهم، ومن هنا يكون الفرد هو العنصر الأساسي في صناعة القرار ومتلقي لنتائجه، وذلك ما يحفزنا للتساؤل عن كيفية الاستفادة مما أتاحته لنا معطيات المرحلة الحالية من النهضة المتجددة؛ لأداء المحافظات دور أكثر فاعلية لمعالجة قضاياها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتحقيق الأهداف الجماعية؛ وصولاً لأهداف الفرد في تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للجميع.
لقد شهدنا خلال الأيام الماضية وبعد خطاب جلالة السلطان هيثم المعظم الذي أكد فيه سعي الحكومة لتطبيق المركزية؛ زخماً كبيراً من النقاشات والمبادرات والحراك المجتمعي داخل المحافظات، وذلك لاستشراف ما يمكن وضعه من أهداف، وما يمكن وضعة من خطط واستراتيجيات على مستوى المحافظات، وذلك من خلال الاستفادة من الإمكانات البشرية واستثمار مخصصات المحافظات المالية التي ستجري في شرايين الاقتصاد لكل محافظة، لتدفع باقتصادها إلى النمو إذا ما أضيفت إلى المشاريع الاستراتيجية التي ستنفذها الحكومة في كل محافظة حسب أولوياتها.
هذا الحراك المجتمعي الذي يقوده المحافظين بعد تكليفهم بدور أكثر أهمية في إحداث التنمية في محافظاتهم، وبمشاركة من أعضاء اللجان البلدية وبهمة وعزم الشباب من مثقفين واقتصاديين وأصحاب المهن المتنوعة في المحافظات، كل ذلك يمكن أن يشكل دافعًا في تسريع وتيرة التنمية، فجميع هؤلاء معنيين برسم خطط التنمية داخل محافظاتهم وتنفيذها، وسيكون لهم دور في وضع طابع خاص لكل محافظة يمثل هويتها الخاصة التي تعكس الثقافة البيئية بتفاصيلها الدقيقة.
مشاركة شباب المحافظات في كل تفاصيل العمل التنموي بمحافظاتهم بداية بوضع الخطط ونهاية بتنفيذ التفاصيل الدقيقة لتلك الخطط سيخلق تجربة انسانية فريدة، تشمل تلك التجربة جميع مظاهر الحياة في المحافظات، ولكل محافظة تجربتها الخاصة التي تمثل هويتها التي تعكس البيئة والمناخ والطبيعة السكانية والبعد التاريخي والجغرافي لتلك المحافظة، تلك الهوية ستظهر في أنماط الأنشطة الاقتصادية وفي التصميم المعماري للمشاريع بكل محافظة، فالمصممين في المناطق الساحلية تكون نظرتهم مختلفة عن المناطق الداخلية وغيرها.
تمكين مشاريع المشاركة المجتمعية؛ وتنفيذ مشاريع للاستفادة من الموارد البشرية والطبيعية بكل محافظة؛ سيرفع معدل نمو الناتج المحلي ويعزز الميزات التنافسية للمحافظات، حيث سيتم توجيه الطاقات والامكانات لتكون المحافظات عبارة عن مراكز اقتصادية متنوعة، فهنالك المحافظات ذات الطابع السياحي، والمحافظات ذات الطابع التجاري، والمحافظات التي تمتلك ثروة سميكة أو زراعية، فمحافظة الوسطى مثلاً تملتك المقومات الكافية لتكون مركز يمثل البحر هويته الاقتصادية، ويضم هذا المركز كل ما يتعلق بالثروة السمكية من صيد وتعليب وتصدير، ويرتبط هذا المركز بالعالم الخارجي بموانئ يمثل أهالي المنطقة العمالة الرئيسية فيها بجميع المستويات الوظيفية، أما المنطقة الداخلية فهي تمتلك المقومات لتكون مركز ثقافي، يضم كل ما يتعلق بالسياحة الثقافية وتجارة المقتنيات التراثية واستغلال النزل التراثية، ولكل محافظة أخرى طابعها الخاص الذي يكسبها ميزاتها التنافسية على المستوى الوطني والعالمي.
إن امتزاج تجارب المحافظات في تحقيق التنمية وفق مبدئ اللامركزية، واستفادتها من مخصصاتها المالية، وتفاعل الخطط التنموية للمحافظات وتكاملها، سيخلق تنوعاً اقتصادياً يرفد الاقتصاد الوطني بموارد غير نفطية، ويجعل من المحافظات مراكز لإنطلاق التنمية الشاملة والمستدامة كما خطط لها ضمن رؤية عمان 2040، واللامركزية هي البنة الأولى لبناء اقتصاد المحافظات.