د. عبدالله بن خلفان العزري
أكاديمي بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية
إن بناء القدرات الوطنية من خلال تطوير نظام التعليم والتعلم والبحث العلمي يعتبر إحدى أولويات السلطنة وتوجهاتها الاستراتيجية في رؤية 2040. حيث إن السلطنة تتوجه استراتيجيا لتخريج قدرات وطنية منافسة وذلك بالتركيزعلى بناء تعليم شامل وتعلم مستدام ليكون الخريجون مؤهلين لدخول الأسواق المحلية والعالمية بمهارات وقدرات وكفاءات وإمكانات ديناميكية منافسة، تلبي مستويات الإنتاجية والتنافسية المطلوبة لبناء اقتصاد معرفي ومتطور، ومواكبة للتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية والتقنية. ولتحقيق هذه الأولويات والتوجهات الاستراتيجية، فإن الأمر يتطلب إنشاء نظام معلومات استراتيجي فعال مركزي ومتكامل للمهارات الحالية والمستقبلية المطلوبة في سوق العمل محليا وخارجيا. وإن إنشاء هذا النظام أصبح ضرورة ملحة؛ وذلك للدور الذي يمكن أن يلعبه في الحد من نقص المهارات والقدرات، وكذلك في الحد من عدم تطابقها مع احتياجات سوق العمل من خلال توفير معلومات عن الاحتياجات الفعلية من المهارات الحالية والمستقبلية المطلوبة بسوق العمل المحلي أو العالمي؛ فتوفير معلومات عن المهارات والقدرات المطلوبة بسوق العمل العماني سيزيد من توفير فرص وظيفية وتدريبية للكوادر البشرية المؤهلة لتكون ذات مهارات وقدرات إنتاجية عالية في القطاعين العام والخاص، وهذا بدوره سيحقق ما تسعى إليه السلطنة في رفع حصة التعمين من إجمالي الوظائف المستحدثة في القطاع الخاص الى 40% في 2040، إضافة إلى مواكبة سوق العمل المحلي والعالمي في تركيبته؛ تبعا للتطورات العالمية في مجال وظائف المستقبل والمهارات المطلوبة لها. وليكون النظام فعالا فلا بد من التنسيق الفعال بين الأطراف ذات الصلة؛ لأن غياب أحد هؤلاء الأطراف أو عدم جديته في توفير البيانات والمعلومات الخاصة بالمهارات سيؤثر في فاعلية المعلومات أو البيانات.
وقد أشارت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي 2016، إلى أنّ هناك العديد من الفرص التي يمكن الحصول عليها في حال بناء وتطويرنظام المعلومات الاستراتيجي الفعال حيث إن هذه المعلومات ستسمح للدول بتحسين المواءمة بين العرض والطلب على المهارات، مما يساعد على تقليل الفجوة في المهارات المطلوبة في سوق العمل وذلك بالسماح بنشر معلومات وبيانات فعالة حول المهارات واحتياجات سوق العمل. فلواضعي (غير واضحة) السياسات الخاصة بالتوظيف والتعليم والتدريب، فإن هذه المعلومات ستكون ذات قيمة عالية لتصميم هذه السياسات ومراجعتها من خلال رصد عدم التطابق والتوافق المحتمل بين النتائج التعليمية ومتطلبات سوق العمل ومراجعة سياسات الهجرة. أما لمؤسسات التعليم العالي، فإن تأثيرهذه المعلومات يكمن في إمكانية تطابق المهارات التي تقدمها هذه المؤسسات، ومجال الدراسة والمؤهلات العلمية مع متطلبات سوق العمل. أما عن سياسات التدريب، فسيكون تأثير هذه المعلومات والبيانات جليا في رسم سياسة فعالة للتدريب على رأس العمل وكذلك التخطيط لبرامج تدريبية تساهم في تنمية وتعزيز المهارات الوظيفية المرغوبة بقطاع العمل، وتبعا لذلك توظيف المزيد من العمانيين. أما الباحثون فيمكنهم الاستفادة من هذه المعلومات في دراسة وتقييم هذه المهارات ورسم السياسات المناسبة لها ورفع المقترحات للتخطيط الفعال للتوظيف والتدريب والتعليم. أما بالنسبة للخريجين والباحثين عن عمل، فنشر هذه المعلومات سيساهم، وبشكل فعال، لاتخاذ قرارات مناسبة لمسارات مهنية وعلمية تتناسب مع المهارات المطلوبة في سوق العمل،التي ستؤدي إلى سرعة التوظيف والانخراط في سوق العمل وكذلك في تعزيز تنمية المهارات الوظيفية بعد التحاقهم بالعمل.
بينما توجد العديد من الفرص لتنفيذ هذا النظام، فإن هناك حاجة أساسية لفهم التحديات التي من الممكن أن تواجه بناء هذا النظام وتطويره؛ فقد أشارت العديد من دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي 2016، أن من العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى عدم القدرة على تنفيذ نظام المعلومات الاستراتيجي للمهارات وتطويره ضعف التنسيق بين الأطراف ذات الصلة، وضعف البنية التحتية الإحصائية، وشح الموارد البشرية المطلعة. فتطويرالنظام سيتطلب تجميع المهارات والقدرات الحالية والمستقبلية من القطاعات المختلفة التي لا يتوفر أي منها بسهولة، والوصول إلى المهارات والقدرات التفصيلية وقواعد بيانات سوق العمل، فضلاً عن توفير الأدوات التحليلية المتطورة لتطوير المعلومات الإحصائية الأساسية، وكذلك نشر المعلومات لمجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة والمهتمين الذين بدورهم سيسهمون في إثراء النقاش حول هذه المعلومات ؛ مما يتطلب عمل سياسات خاصة بنشر هذه المعلومات.