بدر بن سالم العبري
في صباح يوم الجمعة في الثّلاثين من أغسطس كان لدينا موعد مع شهود يهوه، والتقينا بهم في ستار بكس في بلينو، وأتى إلينا شابان أحدهما إيراني من أصول مسيحيّة أصبح من شهود يهوه، والثّاني أمريكي، وكما أسلفت في الرّحلة الشّيكاغيّة يهتمون بهندامهم وجمال جسمهم ونظافته، وهم مرحون ومبتسمون، إلا أنّهم لا يحبّون أن تجادلهم نقديّا، أو تعرض لهم دينك ومذهبك، فقط تسألهم عن مذهبهم ويجيبون، ويرفضون التّسجيل الصّوتي أو المرئي، ولا يحضرون مكانا تعبديّا لا يذكر فيه اسم “يهوه”، ويعتبرونه مكانا للشّيطان، وكنت قد ناقشتهم فيما كتبته في الرّحلة الشّيكاغيّة عنهم، فأغلبه أقروه، والبعض كان لديهم ملحوظات وتحفظ، وكتبت ذلك في مذكرة، إلا أنني فقدتها.
وأهدوني الكتاب المقدّس: ترجمة العالم الجديد، الكتاب الّذي يعتمده شهود يهوه للكتاب المقدّس، إلا أنني لم أجد فيه تقسيم العهدين القديم والحديث، وكأنّه كتاب واحد، وجاء في مقدّمته: “الكتاب المقدّس كتاب أوحى به السّيد الرّب يهوه من أجل كلّ النّاس على هذه الأرض، ولهذا الكتاب الموحى به جاذبيّة عالميّة؛ لأنّه يحتوي على بشارة ملكوت الله الّذي سيبث السّلام والبر، فتصير الأرض فردوسا للجميع، ويظهر الكتاب المقدّس أنّ الله خلّص بمحبّته عالم البشريّة الخاطئة من الموت، وذلك بواسطة ذبيحة ابنه يسوع المسيح الفدائيّة”، وهذا الكتاب ترجم عن الإنجليزيّة عام 1984م.
كما أهدوني منشورة “بشارة من الله” باللّغة العربيّة، وفيها يركزون على فكرة البشارة، وفيها يرون أنّه “لم تنجح حكومة قطّ في إزالة العنف والمرض والموت، ولكن …. سيبدل الله بعد فترة وجيزة كلّ الحكومات البشريّة بحكومته هو، وسينعم رعايا هذه الحكومة بالسّلام وتمام العافية”، حيث يرون وجود حكومة سماويّة برئاسة المسيح، وبعدها تتحقق بشارة تحقق الحكومة الأرضيّة مع السّماوية، وإسقاط الحكومات الأرضيّة، وفيها يعيشون بسلام، لهذا – فيما يبدو لي – لا يرون الحكومات المعاصرة حاليا، ولديهم نظرة سلبيّة حول النّشيد الوطني والعمل في الجيش، وبهذا يختلفون مع كنيسة الله القدير ، أو ما تسمّى بالبرق الشّرقي، وهي طائفة جديدة تنتسب إلى المسيحيّة ظهرت الصّين عام 1991م، وهؤلاء يقسّمون العصور إلى ثلاثة: عصر النّاموس أي العهد القديم واسم الله فيه يهوه، وعصر النّعمة أي ولادة المسيح والفداء، واسم الله فيه يسوع، وعصر الملكوت الّذي بدأ بالبرق الشّرقي في الصّين، واسم الله فيه الله القدير، ولهم كتاب مقدّس: “الكلمة يظهر في الجسد”، أي أنّ يسوع المسيح قد جاء في الجسد في عصر النّعمة.
وفي المنشور يرون أنّه “لا يوجد أحد من البشر رأى الله لأنّه روح، والرّوح شكل من أشكال الحياة، أسمى من المخلوقات الماديّة”، ويرون التّعرف على الله من خلال مخلوقاته، ولله ألقاب كثيرة واسم واحد هو يهوه، وأمّا الله ويسوع هما ألقاب لا اسم.
ويرون أنّ الأسفار الخمسة من الكتاب المقدّس كتبها موسى منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، والسّفر الأخير أي الرّؤيا كتبه يوحنّا منذ ألف وتسعمائة سنة، فالله نقل أفكاره إلى الكتبة بواسطة الرّوح القدس، والكتبة كتبوا أفكار الله لا أفكارهم، وبالتّالي يهوه هو مؤلف الكتاب المقدّس، والدّليل أنّه كتاب يهوه النّبوءات المستقبليّة فيه والمتعذرة على أيّ إنسان، وهذه البلايين من النّسخ الّتي تداولت قديما وحديثا لا يوجد بينها تناقض، والمدار الّذي يدور عليه الكتاب المقدّس البشارة بالحكومة الأرضيّة، وهي أرض الفردوس.
ويرون حسب النّشرة أنّ يسوع أول خليفة خلق مباشرة من يهوه، فدعي مولوده الوحيد، وعاش حياة روحانيّة في السّماء، وكان ناطقا باسم الله فهو الكلمة، أرسله الله إلى رحم العذراء مريم، ليحقق مشيئة الفداء في الأرض، وهو الآن عن يمين الله، باسطا سلطتة السّماويّة، وقريبا يبسط سلطته الأرضيّة بعد معركة هرمجدون، ويقود المعركة الملائكة، ويسجن الشّيطان ألف سنة، ويحكم يسوع ألف سنة، ويحكم معه فريق يدعى القدّوسيون، وهم رسل يسوع الأمناء، وعددهم مائة وأربعة وأربعون ألفا، وسينجو شعب الله، وينتهي الألم والمرض والشّيخوخة من الأرض.
ويرون أنّ الإنسان ليس روحا يعيش في جسم لحمي، بل هو مخلوق مادي، فلمّا نموت لا يبق أيّ جزء منّا حيّا بعد الموت، فنكون في حالة عدم وعي، لهذا لا يوجد نار وعذاب بعد لحالة عدم الوعي، ولكن سيعودون إلى الحياة على الأرض وهي القيامة، والمقصّرون سيعربون عن إيمانهم بيسوع، والصّالحون ينعّمون بالحياة على الأرض إلى الأبد.
ويرون هناك دين واحد فقط، وهو الدّين الحق الّذي يؤدي إلى الحياة الأبديّة، وقليل من يجده، وهناك أنبياء دجالون يفسدون المسيحيّة، وصفة الدّين الحقيقي الخضوع لمبادئ الكتاب المقدّس والإيمان به بصفته كلمة الله، وتكريم اسم الله يهوه، ويكرزون [أي يبلغون] بملكوت الله، وليسوا جزءا من العالم الشّرير، كالصّراعات السّياسيّة والاجتماعيّة، ويحبّون بعضهم من كافّة الأعراق.
ويرون “أنّ كلّ الأديان تضمّ أشخاصا مخلصين …. ولكن هناك من يستغل الدّين لتحقيق غاياته الشّريرة”، كالإرهاب، والإبادة الجماعيّة، والحروب، وستنقضي قريبا جميع هذه الأديان، ويهوه لن ينس الأشخاص المخلصين في الأديان الباطلة، وسيعلّمهم الحق.
ويرون أنّ الله نظّم المنحدرين من إبراهيم، وجعلهم أمّة باسم إسرائيل، وجعلهم شهودا له، ولمّا فقد إسرائل رضا الله استعاض يهوه عنهم بالمسيحيين، وأمّا الآن هذا الرّضا يتمثل في شهود يهوه، وهم من سيوحدوا جميع الأمم عن طريق الكرازة، وبدأوا في سبعينيّات القرن التّاسع عشر في فريق صغير من تلاميذ الكتاب المقدّس، لتبدأ الكرازة بالملكوت على نطاق عالميّ، واليوم يطبعون كتبهم لأكثر من ستمائة لغة، وعندهم أكثر من مائة ألف جماعة مبلغة حول العالم، وفيها رجال أكفاء كشيوخ روحيين.
كما أعطوني نشرة “من يفعلون: مشيئة يهوه اليوم”، والعدد الأول لعام 2019م من مجلتهم برج المراقبة، وكانت بعنوان: من هو الله؟، وبعد الجلوس مع شهود يهوه ذهبنا إلى مول نورث بارك، ثمّ استأذنت الأستاذ بيان نوري، وعملت جولة في دالاس عن طريق سيارة أوبر.
وفي صباح يوم السّبت في الحادي والثّلاثين من أغسطس كان موعد رجوعنا إلى عمان، فخرجنا الثّامنة صباحا من النّزل في ويكوري ميدو، ثمّ ذهبنا إلى سوبر ماركت ول مارت لشراء بعض الأغراض، وفي الطّريق كان الشّارع شبه متوقف بسبب حادث سير، فتأخرنا حوالي ساعة وزيادة، ووصلنا إلى مطار دالاس فورت ورث الدّولي، وكان موقع الإقلاع عن طريق الطّيران الألماني في الثّالثة والنّصف مساء، وكان لدي وقت، وودعت بيان نوري، وشكرته على ما بذله من وقت ومال وتنسيق، فكان نعم الأخ، ونعم الصّديق المثقف الخلوق المتواضع، وما رأيته من أبيه وأمّه، وكأنّي فرد من عائلتهم، لم ينقطعوا عن الضّيافة والسّؤال، فلهم جزيل الثّواب.
ومن مطار دالاس إلى فرانكفورت في ألمانيا، ومنها إلى مسقط عن طريق الطّيران العماني، لأصل مسقط صباح يوم الأحد الأول من سبتمبر، وأختم بذلك رحلة من أجمل رحلات العمر، رأيت فيها الإنسان في أبهى صوره، والحضارة في أعظم تجلياتها، والمعرفة في أرقى بهائها، رأيت التّنوع الّذي يقود إلى البناء، لا إلى الشّقاق والنّزاع، ورأيت الدّولة الّتي لا تخاف من التّنوع والاختلاف، ورأيت القانون العادل بين الجميع، وقد أثبت في هذه الرّحلة كما رأيت، وركزت على الإنسان من حيث التّعارف، وجعلت للقارئ مجال التّأمل والنّقد، لأختم كتابتها في مكتبتي في الموالح الجنوبيّة بولاية السّيب – محافظة مسقط، في ظهيرة السّبت، التّاسع من محرم 1443هـ/ الثّامن والعشرون من أغسطس 2021م، وبدأت كتابتها في منتصف يوليو 2021م، حيث تأخرت في كتابتها لسبب كورونا، مع فقد مذكرتي، ولكن حاولت ما استطعت تذكره، والحمد لله على كلّ حال.