بقلم :زكريا بن عامر بن سليمان الهميمي
*تمهيد:
يعد التخطيط الاستراتيجي على الصعيدين الشخصي والمؤسسي بشقيه القصير والبعيد المدى أحد السمات الحضارية للدول المتقدمة، ويتأكد هذا النوع من التخطيط في حال التعامل مع الكوارث والأزمات بمنهجية تخطيطية علمية منطقية مبنية على قراءة الواقع قراءة تحليلية منظمة كجزء مهم من ثقافة الاستعداد التخطيطي الاستراتيجي المنظم في التعامل مع الكوارث والأزمات الوطنية، حيث يعد التخطيط الاستراتيجي عاملا مهما للتعامل مع الأزمات والكوارث قبل وقوعها وأثناء وبعد وقوعها، فالتخطيط الاستراتيجي الفعال يؤدي إلى إدارة ناجحة للأزمات والكوارث كونه تخطيط مبنى على منهج علمي منظم بعيد عن العشوائية، ويعد الإعصار المداري شاهين تجربة ثرية مرت بها السلطنة لاستخلاص الدروس والعبر لتأسيس نموذج تخطيط استراتيجي مستقبلي فعال لمواجهة الأزمات والكوارث على الصعيدين الشخصي والمؤسسي.
- مجال التخطيط الاستراتيجي الشخصي ومجال التخطيط الاستراتيجي المؤسسي حول الأزمات والكوارث: يكمن مجال التخطيط الاستراتيجي لإدارة فاعلة للكوارث والأزمات الطبيعية وفقا لمعطيات التأثيرات الواقعية للحالات المدارية في مجالين رئيسين هما مجال التخطيط الاستراتيجي الشخصي، ومجال التخطيط الاستراتيجي المؤسسي والذي تتمثل مظاهرهما في التطبيقات العملية التالية:
*أولا: مجال الاستعداد التخطيطي الاستراتيجي للأزمات والكوارث الطبيعية على الصعيد الشخصي:
التخطيط الشخصي الاستراتيجي الفعال هو عبارة عن منهج علمي منظم ينبع من ذات الفرد بغرض الاستعداد والوقاية من الكوارث والأزمات الطبيعية، وكذلك التخطيط أثناء حدوث تلك الأزمات، ثم التعامل مع تداعيات ونتائج حدوث تلك الأزمات الطبيعية كواقع بغرض الحد من التأثيرات السلبية للكوارث والأزمات على الحياة الطبيعية للفرد، ويتمثل هذا النوع من التخطيط في المظاهر التالية:
أ.الاستعداد الفردي المالي و المادي :
حيث يقوم الفرد في المناطق التي تتأثر عادة بخطر الأعاصير بتحديد الموقع المناسب الذي سيعيش فيه ويمارس فيه أنشطته بالتعاون مع السلطات الحكومية المنظمة لاختيار مواقع الأراضي السكنية ، فاللموقع نفسه دور مهم في الوقاية من خطر الأعاصير، فالأراضي السكنية وغيرها من الأراضي ذات الاستخدامات الأخرى يجب أن تكون على سبيل المثال بعيدة عن مجاري الأودية، والسدود، والتيارات البحرية الساحلية، كما أن على الفرد اتخاذ كافة وسائل الوقاية الممكنة من خطر الأعاصير على ممتلكاته الشخصية من منازل ومزارع ومحلات تجارية و أوراق ووثائق رسمية وغيرها من الممتلكات و المجالات الاقتصادية الأخرى المتعلقة بحياته المعيشية المادية.
ب.الاستعداد النفسي:
فلا يقل الاستعداد النفسي للفرد أهمية عن الاستعداد المادي، كون الاستعداد النفسي مرتبط ارتباطا وثيقا بجانب الاستعداد المادي في حياة الانسان فهما وجهان لعملة واحدة، ويكمن الاستعداد النفسي في مواجهة الأعاصير في مظاهر منها: التفكير بإيجابية وواقعية في الأزمة التي ستقع بعيدا عن تضخيم الآثار السلبية النفسية التي قد تنتج من الأعاصير، التعامل بواقعية مع الأزمات والمشكلات وعدم الانسحاب إلى عالم خيالي عاطفي سلبي، و تقديم الدعم النفسي لبعض الفئات التي هي بحاجة ماسة لدعم نفسي كفئات الأطفال وكبار السن، ويلعب دور الايمان والمعتقدات الدينية الصحيحة دورا مهما في هذا الجانب كتبني مبدأ الإيمان بالقضاء والقدر الذي يعمل على تخفيف الآثار النفسية السلبية من خلال تقبل نتائج الكوارث والأزمات على الصعيد الفردي الشخصي والعائلي والمجتمعي وما يجري في هذا الكون من حوادث بقضاء الله وقدره مما ينمي في النفس دافعية نفسية إيجابية تؤدي إلى الاستقرار النفسي بعيدا عن الاضطرابات النفسية.
ج. تبني ثقافة الاقتصاد السلوكي الفردي لمواجهة الأزمات:
حيث يعد الاقتصاد السلوكي الفردي في عصرنا الحديث أحد أهم أنواع الاقتصاد كونه يعد مرتكزا أساسيا في الاقتصاد الكلي في المجتمع، ومن أمثلة هذا النوع من الاقتصاد في ظل الأزمات والكوارث الاهتمام بثقافة الادخار المالي النقدي بغرض التغلب على المصاعب المالية المستقبلية التي قد تحدثها الأعاصير وغيرها من الكوارث على الحياة المعيشة للفرد، إضافة إلى تخزين المواد الغذائية الأساسية والمؤن واللوازم المادية الأخرى لاستخدامها في حال حدوث مثل تلك الكوارث، والاهتمام بثقافة التأمين المالي في شركات التأمين للكوارث على المنازل والمركبات والممتلكات المادية الأخرى، والتأمين الصحي وغيرها من أنواع التأمين الأخرى، كون التأمين بكافة أنواعه يعد أحد الوسائل المعينة في تحمل التبعات المالية والمادية التي تخلفها الأعاصير والكوارث الطبيعية والتي قد تفوق القدرة المالية التي يتحملها الفرد في حال عدم وجود مثل تلك الأنواع من التأمين.
د. السعي الشخصي لتغيير واقع الأزمات والكوارث بعد حدوثها: فيجب أن تكون لدى الفرد دافعية داخلية لتغيير الواقع السلبي الذي تفرضه تلك الأزمات والكوارث الطبيعية لواقع إيجابي من خلال السعي في إصلاح وترميم ما خلفته تلك الكوارث من تبعات مادية، فلا مجال هنا للسلبية في التعاطي مع واقع تلكم الأزمات.
*ثانيا. مجال الاستعداد للأزمات والكوارث الطبيعية على صعيد التخطيط الاستراتيجي المؤسسي:
وتنقسم مجالات هذا النوع من التخطيط على صعيد السلطة الرسمية والمجتمع المدني بمؤسساته المدنية في التالي:
أولا. مجال التخطيط الاستراتيجي المؤسسي قبل حدوث الأزمات:
ويشمل هذا النوع من التخطيط الاستراتيجي المؤسسي على التخطيط على صعيد مؤسسات الدولة الرسمية والذي يتمثل في المظاهر التالية :
أ. تخصيص موازنة مالية محددة في الخطط الخمسية والموازنات السنوية لمواجهة الحالات الطارئة.
ب. الاستعداد المسبق القصير وطويل المدى لتأسيس البنية التحتية الأساسية المقاومة والمضادة للأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية الأخرى، حيث يجب على سبيل المثال تصميم الإنشاءات والمباني الهندسية لتكون مقاومة للأعاصير والفيضانات وبعيدة عن تأثيراتها المدمرة ومن بينها إنشاء وبناء مراكز إيواء متخصصة ومجهزة تجهيزا متكاملا قابلا لوقاية الناس من خطر الأعاصير.
ج. التخطيط الاستراتيجي المؤسسي لمراكز التنبؤات والتوقعات الجوية الوطنية لتتواكب مع فكرة الأعاصير لتقديم معلومات تحليلية دقيقة لصانع القرار في السلطة وللمجتمع المدني المحيط.
د. تبادل المعلومات عن الأحوال والأرصاد الجوية مع المراكز الدولية ذات العلاقة برصد وتتبع الأعاصير.
ه. التخطيط الإستراتيجي لمراكز الخدمات والطوارى المتعلقة بالأزمات والكوارث الطبيعية.
و. تأهيل الكوادر الوطنية المتخصصة في التعامل مع أخطار الأعاصير
ز. رسم خرائط طوبغرافية دقيقة لبناء سدود الحماية من الفيضانات و لتحويل مجاري الأودية عن المنازل والممتلكات الخاصة والعامة، وإيجاد طرق تصريف فاعلة للبرك والتجمعات المائية.
ح. الاستفادة من تجارب وخبرات الدول المتقدمة في العالم التي تتعرض للكوارث والأزمات الطبيعية في مجال التخطيط الاستراتيجي للوقاية والحماية من تلكم الأزمات والكوارث.
ط. تأسيس ودعم مراكز أبحاث وطنية تتبنى منهج البحث العلمي المتعلق بالدراسات العلمية والأكاديمية في مجال التعامل مع الكوارث والأزمات الطبيعية.
أما على صعيد التخطيط الاستراتيجي المؤسسي للمجتمع المدني قبل حدوث الكوارث الطبيعية فيتمثل هذا النوع من التخطيط في التالي :
أ. وجود ثقافة وعي مجتمعي بأخطار الأعاصير وما قد تسببه من خسائر بشرية ومادية.
ب. وجود ثقافة وعي لدى مؤسسات المجتمع المدني ومنها الجمعيات والفرق الخيرية بمشاركة من مؤسسات القطاع الخاص في المجتمع من باب الشراكة والمسؤولية الاجتماعية في بناء منظومات واحتياطيات مالية ومادية خيرية ذات تنمية مستدامة وذات إنفاق تخصصي نوعي تساهم بفاعلية في مجال العمل الخيري في حال حدوث خسائر متوقعة جراء الأعاصير والكوارث الطبيعية الأخرى ومن الأمثلة على ذلك تخصيص الأوقاف الخيرية الدائمة ذات العلاقة بالتعامل حال حدوث الكوارث والأزمات كالتعرض للأعاصير، وتأسيس شركات أهلية متخصصة في تقديم منتجات وخدمات الوقاية من أخطار الكوارث والأزمات، مع الاستفادة من تجارب بعض الدول التي تتعرض للأعاصير والكوارث والأزمات في مجال الإنفاق الخيري المؤسسي.
*ثانيا: مجال التخطيط الاستراتيجي المؤسسي أثناء حصول الأزمات:
ويكمن دور التخطيط الاستراتيجي المؤسسي أثناء وقوع الأزمات والكوارث في عدة مظاهر منها:
أ. تأمين المنشآت والمواقع الحيوية والحساسة.
ب. التأكد من فعالية سدود الحماية، ووضع خطط بديلة في حال تأثر الخدمات الأساسية لمثل تلك المنشآت أو تعرض منشآت الحماية للخطر.
ثالثا: مجال التخطيط الاستراتيجي المؤسسي لما بعد وقوع الأزمات والكوارث الطبيعية:
ربما تكون هذه المرحلة من التخطيط المؤسسي هي أصعب المراحل كونها ستتعامل مع نتائج الأزمة وما فيها من خسائر بشرية ومادية قد تكون مؤلمة أحيانا وشديدة الوطئة على الاقتصاد الوطني والحياة المعيشية للسكان، لذا فهذه المرحلة تتطلب ضمن مخططاتها اتخاذ قرارات عملية عاجلة وسريعة لكن مبنية على منهج تخطيطي علمي سليم ومنظم، وتتضمن هذه المرحلة العديد من المظاهر منها :
أ. وضع خطط عاجلة لإصلاح البنية الأساسية التي أصابها الضرر جراء الإعصار.
ب. وضع خطة لتعويض السكان مما قد أصابهم من خسائر مادية.
ج. وضع خطط لإرجاع قطاع الخدمات الأساسية لحالته الطبيعية.
د. وضع خطط استراتيجية للحد من حصول نتائج سلبية لمثل هذه الأزمات والكوارث الطبيعية مستقبلا.
ه. التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة في حال تقديمها لمساعدات للتخفيف عن آثار الكوارث والأزمات الطبيعية، من باب الشراكة الدولية الفاعلة والتعاون الدولي الجاد والمثمر في مجال تقديم المساعدات الدولية الانسانية حال حدوث الكوارث والأزمات الطبيعية بين الدول في العالم.
ختاما، يعد تبني منهج التخطيط الاستراتيجي على الصعيدين الشخصي والمؤسسي عنصرا مهما في حال وقوع الأزمات والكوارث الطبيعية لذا ينبغي إيلاء هذا الموضوع اهتماما جادا من قبل الأفراد والمؤسسات الحكومية والأهلية في المجتمع العماني كشراكة حقيقية فاعلة ومتكاملة ومسؤولة في مجال التعامل مع الكوارث والأزمات الطبيعية.
حفظ الله عمان دولة آمنة مطمئنة بعيدا عن الأزمات والنكبات والكوارث الطبيعية، وحفظ الله شعبها الأبي ووحدتها ولحمتها الوطنية التي ضربت أروع الأمثال حال حدوث الكوارث والأزمات الطبيعية.