المكرّم الدكتور إسماعيل الأغبري
ما أعربت عنه وزارة الخارجية العمانية بشأن الخلافات العربية تعد دعوة إلى ضرورة مغادرة هذه المستنقعات الضارة بالعالم العربي، إذ مكث عالمنا فيها طويلا وكلما جاء عام قلنا “يا أزمة انفرجي” لكنها تشتد حتى اتسع الخرق على الراقع.
جاء بيان السلطنة وموقفها متضمنا روح التأسف لما يعصف ببلاد العرب من تمزق وتراشق، وفيه تمني أن يأتي يوم تشرق فيه شمس العرب مجتمعين بعد فرقة، وألفة بعد خصومة، ووحدة بعد تشتت، فما أعربت عنه السلطنة يسفر عن وجه مليح من أمل اجتماع الكلمة ورص الصف.
حث بيان وزارة الخارجية على حل المختلف فيه أو عليه بالحوار، ذلك أن خيار الحوار فيه انتصار للجميع ورضا للجميع، وهو مسلك الدبلوماسية العمانية خاصة أننا أبناء أمة واحدة، وكثير من أبناء أمتنا -بغض النظر عن رأينا- يدعون لمحاورة محتل فلسطين فكيف يضيق علينا نحن أبناء أمة.
لقد أكد بيان وزارة الخارجية على ثبات المبدأ واستمرار نهج الدبلوماسية الراقية، فسياسة السلطنة ليست مرتبطة بشخصية الحاكم وإنما هو منهج حكم متنقل من عاهل إلى عاهل في عدم صب الزيت على النار، وتفعيل قوله تعالى “الصلح خير”، “فأصلحوا بين أخويكم”، إنها عمان.
ما تضمنه بيان الخارجية العمانية من دعوة تجنب التصعيد، دعوة منطقية واقعية فأبناء الجامعة العربية يتصارعون ويأكلون أنفسهم يخربون بيوتهم بأيديهم، والسلطنة ساعية للحمة البيت، لذا كان ما أعربت عنه هو ما ترجوه وتتمناه، فالغرب يجتمع وإن اختلف وأمتنا تختلف رغم الجوامع.
الغرب وأمريكا بينهما اختلاف كبير خاصة أيام ترمب والمناخ والأطلسي وانسحاب بريطانيا من الاتحاد، ولكنهم يتحاورون ويتصافحون ويتبادلون المصالح، وهو ديدن سعي السلطنة وأمانيها ورغباتها لا تصب زيتا على نار خشية أن يحترق أحد ينتمي للجامعة العربية أو حتى يشعر بحرارة.
اندلع خلاف بين فرنسا من جهة وبين أمريكا وبريطانيا واستراليا من جهة أخرى بسبب الغواصات النووية واحتجت فرنسا ثم عادت، وها هي أزمة الصيد البريطانية الفرنسية تلوح لكنهم قطعا تمضي قافلتهم، والعمانيون ذلك ما يبغون من أعضاء الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
ما يحمد لعمان ودبلوماسيتها أنها لا تتصيد في الماء العكر، وما أعربت عنه ينسجم مع تجنبها الدخول كشريك في الملاسنات، ويتفق مع المسلك المحمود من حرب الأشقاء في اليمن، فجميع الدول خاسرة لأن الدم واحد يسيل على أرض واحدة وحدود جغرافية جغرافية الدول العربية.
كما أن ما يلفت إليه النظر أن بيانات السلطنة خالية من التشنج، وتتيح لها فرصة التدخل الإيجابي ويمكن المختلفين من التحاكم إليها والحكم بما صارت إليه والرضا بمنهجها من كل عاقل منصف إنها صاحبة شعرة معاوية وإنها جسر لا جدار فصل وتباعد فما تعرب عنه ينسجم مع المنهاج المتوارث.
عسى وليت ولعل الله يجمع الشمل ويرص الصف فقد صارت الفرقة ملازمة لعالم العرب دهرا مصاحبة له عقودا، حتى يخيل للمرء أننا نعاني من داء متأصل فينا لا سبيل لعلاجه، إلا أن السلطنة نموذج به يحتذى في العلاقات مع الدول وتلك عمان في كل وصل حاضرة وعن كل فرقة غائبة.