سعاد بنت علي العريمية
محمدٌّ سـيدُ الكــونينِ والثقَلَـيْنِ والفريقـين مِن عُـربٍ ومِن عَجَـمِ
نَبِيُّنَـا الآمِرُ النَّــاهِي فلا أَحَــدٌ أبَـرُّ في قَــولِ لا منـه ولا نَعَـمِ
هُو الحبيبُ الــذي تُرجَى شـفاعَتُهُ لكُــلِّ هَوْلٍ مِن الأهـوالِ مُقتَحَمِ
دَعَـا الى اللهِ فالمُسـتَمسِـكُون بِـهِ مُستَمسِـكُونَ بِحبـلٍ غيرِ مُنفَصِـمِ
فــاقَ النَّبيينَ في خَلْـقٍ وفي خُلُـقٍ ولم يُـدَانُوهُ في عِلــمٍ ولا كَـرَمِ
وكُــلُّهُم مِن رسـولِ اللهِ مُلتَمِـسٌ غَرْفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَاً مِنَ الدِّيَـمِ
وواقِفُـونَ لَدَيــهِ عنـدَ حَدِّهِــمِ مِن نُقطَةِ العلمِ أو مِن شَكْلَةِ الحِكَـمِ
فَهْوَ الـــذي تَمَّ معنــاهُ وصورَتُهُ ثم اصطفـاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَــمِ
مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ
دَع مــا ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِـمِ واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِـمِ
وانسُبْ الى ذاتِهِ ما شـئتَ مِن شَـرَفٍ وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَـمِ
فــاِنَّ فَضلَ رســولِ اللهِ ليـس له حَـدٌّ فَيُعـرِبَ عنـهُ نــاطِقٌ بِفَمِ
بهذه الأبيات من قصيدة البردة للبوصيري التي زاد حسنها مدح الرسول محمد، الحسن الأخلاق والخلق، أشرع في حروفي حول مولده الشريف صلى الله عليه وسلم، فمدحه شرف وذكره خير، فهو النبي المجتبى من عرب ومن عجم، ولنا مع مولده عليه أفضل الصلوات والتسليم وقفات، نسردها في هذه السطور.
الوقفة الأولى
مولده كان في يوم الثاني عشر من ربيع الأول في عام الفيل، وكان حدثا امتزجت فيه متضادات المشاعر الإنسانية من حزن وفرح لدى أمه آمنة وجده عبد المطلب، اللذين فرحا لمولد هذا الابن الزكي، وحزنا ليتمه فأشفقا عليه فهو الوليد الذي لم يرَ والده، وبعد أيام اضطرا لنقله لمضارب بنى سعد مع أسرة مرضعته حليمة السعدية.
ويذكر الكاتب أحمد العمري أنهم نقلوه إلى أسرة مرضعته لسبب من السببين التاليين: الأول اعتلال صحة أمه آمنة أو انتشار وباء في مكة بعد حادثة عام الفيل، ويذكر الكاتب المواقف الفاصلة في طفولته ومنها عند عودته لأمه وهو في عمر الأربع سنين، يصدم بأن أسرة حليمة ليست أسرته، ويكتشف أن أمه آمنة بنت وهب ولا يعيش معها سوى سنتين قبل وفاتها، ولا يذكر فيهما غير رقتها، وحجم هذه الصدمات عبر عنه نبينا الكريم وهو في الخمسين من عمره عندما أذن له الله بزيارة قبر أمه في الأبواء فبكى عليه الصلاة والسلام بكاء مريرا، ليستفرغ ألم اليتم كله على قبر والدته.
ولكن جميع هذه المواقف الصعبة كانت سببا في قوة شخصية النبي، وجعلته شخصية قادرة على حمل الرسالة وتبليغ الأمانة، فأدائها على أكمل وجه ولا زالت دعوته خالدة إلى يوم الدين، ولا يزال هو الشخصية الأعظم تأثيرا في التاريخ البشري، وذلك حتى على لسان أعداء الدين ومنهم صاحب كتاب الخالدون المائة الذي وضع نبينا الكريم على رأس القائمة، فقد قال مؤلف الكتاب مايكل هارت: “المثال الملفت للنظر هو ترتيبي لمحمد أعلى من المسيح، ذلك لاعتقادي أن محمدًا كان له تأثير شخصي في تشكيل الديانة الإسلامية أكثر من التأثير الذي كان للمسيح في تشكيل الديانة المسيحية، وغيره الكثير، الذين لا يحتاج نبينا محمد لشهاداتهم له بالعظمة، ولكن الحق أبلج وإن حاول الحاقدون طمسه.
إن السعادة كل السعادة باتباع هديه، فقد ذكر المخرج الهولندي ارناود فان دورن الذي أنتج فيلم “الفتنة” المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم أنه وجد السعادة بدخوله للإسلام بعد أن صدم بحجم المعارضة من اثنين مليار مسلم ضد فيلمه؛ وهذا ما دفعه للبحث عن الدوافع وراء عواطف المسلمين هذه، وبعدها وصل للحقيقة وبأن ما جاء به محمد هو الحق فأسلم.
الوقفة الثانية
مولده صلى الله عليه وسلم الحدث الفاصل بين العبودية وأسر الوثنية إلى حرية الايمان بالله وحده لا شريك له، فبعثة خاتم النبين والمرسلين أنقذ الله بها الإنسانية من الذل للأهواء إلى العزة بتقوى الله وطاعته.
الوقفة الثالثة
مولده صلى الله عليه وسلم وبعثته كانت النعمة العظمى التي من لله بها على العالمين، حيث قال الله تعالى: “لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ” آل عمران 164.
ومن فضله العظيم علينا أمة العرب أن الرسول جاء منا تاليا لآيات الله ومزكيا لنا ومعلمنا الكتاب “القرآن الكريم” والحكمة التي لا يمكن أن نصل إليها إلا بالوصول لدرجات الايمان بإحسان وهنا السعادة الحقيقة في الدارين.
الوقفة الرابعة
يوم مولد الرسول علينا تعظيمه من عظمة شخص الرسول صلى الله عليه وسلم فهو حبيب الله والذي يقترن ذكره بالله في كل وقت وحين، فهو الشفيع وهو المصطفى وهو الذي تمجيدا له لم يناده الله الكريم بـ”يا محمد” كبقية الأنبياء والرسل، فخاطبه بـ”يأيها النبي ويأيها الرسول”، وهذا يعني أن نجعل فرحنا بهذا اليوم قراءة في سيرته واقتداء به وشمائله ودعوة لدينه.
وقد ذكر محمد سعيد رمضان البوطي، أن : “الاحتفال بذكرى مولد رسول الله نشاط اجتماعي يبتغي منه خير دينيّ، فهو كالمؤتمرات والندوات الدينية التي تعقد في هذا العصر، ولم تكن معروفة من قبل، ومن ثم لا ينطبق تعريف البدعة على الاحتفال بالمولد، كما لا ينطبق على الندوات والمؤتمرات الدينية، ولكن ينبغي أن تكون هذه الاحتفالات خالية من المنكرات”
الوقفة الخامسة
مولده وبعثته نعمة تستحق الشكر وأن نكون من أمته هذه من أعظم النعم علينا فلله الحمد علي هذه النعمة.
وأخيرا.. ندعوا أنفسنا إلى أن نعود لتدبر آيات القرآن الكريم وتدبر سيرة نبينا الكريم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب النبي الهاشمي الذي وصفه الله بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وندعو لدينه مرتجين رضا الله ومحبته ومحبة رسولنا الكريم.