حمدان بن علي البادي
كان عددنا أربعة، انضممنا لشخص من أهل المكان، سيكون مرشدنا لأحد البيوت، وقبل أن نصل للبيت وصل عددنا ١٧ شابا، تغطي وجوهنا الكمامات وفي يد كل واحد منا أداة تساعده على المهمة التي اجتمعنا من أجلها “شيول وشفاط ماي وعربانة وبروش” تجمعنا عمان وأهلها.
كان الوقت منتصف النهار، التقينا في أحد البيوت دون أن نعرف ساكنيه، انهمكنا في العمل، الطين يغطي المكان وقد بدأ يجف مما زاد من صعوبة العمل، ومع الإصرار والعزيمة وهمة ونشاط الشباب تمت المهمة بعد ٤ ساعات من العمل وإزالة أكوام الطين المتراكمة، كان مثلنا الآلاف يتجمعون على شكل خلايا يختفون في البيوت لبضع ساعات ومن ثم يخرجون بحثا عن محتاج آخر للمساعدة أو لرفع ضرر.
تمر سيارة بها مجموعة من الشباب، يسألون عن حاجتنا للغداء نعتذر بلطف ونطلب منهم سؤال أهل البيت، فنحن من الفرق التطوعية، ليظهر واحدا من بيننا ويقول أنا صاحب البيت، يصر الشباب على توزيع الأكل والماء والمشروبات الغازية والعصائر للجميع وهم يرددون “الخير وايد ويسد ويفضل”.
بين الحين والآخر تمر مجموعة من السيارات وفي كل مرة نشير لصاحب البيت ليسألوه عن حاجته، إحدى المتطوعات تحمل بيدها “حفاظ للأطفال” وتسأله إن كان لديكم أطفال؟ شكرها واعتذر لأن طفله يلبس مقاسا أقل من الذي معها، تصر عليه أن يحتفظ به ويرد عليها “قد يكون غيرنا أولى به”.
متطوعة أخرى تلعب مع أطفال البيت تبني معهم محادثة وتوزع عليهم الألعاب، فرق تطوعية كثيرة لا تحمل أسماء ولم نرَ وجوههم التزاما بالإجراءات الاحترازية التي فرضها فيروس كورونا، نشعر بالتقصير حين نسمع بعض الصيحات والرزحة الحماسية من البيوت المجاورة احتفالا بانتهاء المهمة، نرد عليهم بشلة على وقع الرزفة الحماسية وهي تفضح هوية المتطوعين وانتمائهم لقرى ومناطق مختلفة تشتهر بهذا الفن.
إحساس غريب يسري في أوصالي ونحن على وشك أن نحتفل بانتهاء المهمة، أحاول أن أوثق تلك اللحظة بصورة فوتوغرافية، على خطى “قبل/ وبعد” لتبقى في الذاكرة لكن هذه المرة ونحن في وضع مرتب يظهر المكان أكثر مما يظهر وجوهنا، ويؤشر بالمهمة التي أنجزناها، تصر المجموعة على توثيق ذلك بالصوت والصورة وأن نردد بصوت واحد “عمان بشعبها عظيمة”، نعيد الصورة أكثر من مرة من قبل المتطوعين الذين لا تربطهم صلة بمن التقط الصورة.
كل هذا وأكثر من الطاقة الإيجابية حدثت في الأيام التالية للإعصار وما يزال يحدث، أيام سقطت فيها كل الفوارق السائدة في المجتمع، أيام لعمان وشعبها، وقد هبّت من مسندم لظفار لتكون على مستوى الحدث والجود بالموجود، لحظة تعود بنا إلى أيام “جونو” و”فيت” و”مكونو” وغيرها من الأحداث التي كانت لعمان وباسمها ولشعبها اجتمعنا نعين ونعاون وقلوبنا مع بعض، والناس فيها الخير وتستحق كل خير.. وعمان فيها الخير ما دام شعبها والخير متحدين وقلوبنا مع أهلنا بخير.