أحمــد الحضــرمي
أنجبتنا عمان كي نفتديها
فسلامًا يا عمان وأمْنا
اطمئني فمُذ خُلقنا.. خلقنا
أوفياء لا يَقرب الذَّمُّ منا*
ما بعد شاهين، ولا حصر لما أدى إليه إلا من مجد ومِنعة وقشعريرة تكاد تملأ أجسادنا، والمفاخر العمانية تَجترُّ بعضها في مشهد تكافلي مهيب وعظيم، والأرض كلها عُمان، والنبض واحد.
هذا ما تجلّى اليوم الجمعة ٨ أكتوبر ٢٠٢١م من الشعب العماني العظيم في تكافله وتلاحمه ربما منذ اللحظة الأولى للأنواء المناخية التي تعرّض لها جزء عزيز من قلب السلطنة “شمال الباطنة”؛ فاتخذت الحملات المُلبية لنداء الوطن طابع شمولية وتآلف فاق كل شئ وبشكلٍ لا يُضاهى بكل أبعاده.
مشهدٌ هو للتأريخ، يكاد لم يحدث منذ زمن طويل، ولن تُطوى صفحاته إلا بمآثر اعتادها العمانيون في مثل هكذا مواقف والشواهد كثيرة لمن رام للخير نهجا، ولا عجبٌ هذا التواد والتعاطف وهُم كعادتهم-وما أجملها عادة- جسدٌ يتداعى بالحب والوئام، ولبّوا عندما دعى الداعي بعزيمة لا تُضام، لأنهم آمنو بعُمان التي أنجبتنا كي نفتديها، وما حِجّ العمانيين من كلِّ فجٍ عميق إلى شمال الباطنة غوثًا وتعاونًا ما استطاعوا إليه سبيلا إلّا تجلِية لذلك، ولَعُمري أنه مَبعثٌ للارتياح والاطمئنان لمستقبل هذا الوطن العزيز، ويَحمِل في ثناياه صورة أعمق حوّلت المِحنة إلى مِنح شتّى وشكّلت من التحديات فرص كبرى، لأنها اتّكأت على نقاط القوة الكامنة في ارتباط العماني بأرضه، ما كان له بالغ الأثر في التخفيف من تأثيرات الأنواء، وعادت منازلٌ وطرقات، والبقية قريبًا كلها سيستظِلّ تحت أسقفها أهلها كما لو أن الوضع عاديٌ ولا أزمة ولا أنواء .. وأجمل.
كل ذلك يطرح السؤال الأكبر- والإجابة أكبر- ماذا بعد كل هذا؟ وكيف السبيل إلى استدامة هذه اللُّحمة الوطنية؟ وما يضير أن يكون احتفاءً سنويًا تستفيد منه الأجيال القادمة؟ وما دور الحكومة وبقية المؤسسات، وكيف ستستمر الحالة التكاملية والإبداعية في النهوض؟ وكيف وأنّى لنا إعادة أمجاد تاريخ وحاضر ومستقبل؟ وكيف وكيف؟
إننا بحاجة إلى العمل منذ هذه اللحظة لا سواها، أن نعمل معاً لتستمر هذه القوة أبد الدهر، أنْ نلتفت إلى ما يمسح عن صدر المواطن بعين يستحقها نحو تطلعاته.
وهي كلمة للمسؤولين: من كان في الرخاء لم يفلح في تحَمّل المسؤولية فلن يستطيع في الشدة، وهذه الفرص أمامكم متاحة، اخلعوا خناجركم، واتركوا دشاديشكم ومصاركم المعطرة وانزلوا الميدان وتحسسوا المواطن وخذوا بيدِه لأنه هو السلاح الذي سينافح عنكم، اجعلوا ضجيج العمل يتحدث، وكفُّوا عن التصريحات التي لا تُسمن ولا تُغني، وابدؤوا بالمقدور، فكم خدمة قليلة حققت رضًا كبيرا.
وهي كلمة لكل مواطن: هذه الأرض لنا وعلينا أن نبث فيها بذور الخير والتكاتف، ولا تحكموا من مقطع واحد أو صورة واحدة، التقصير هنا يقابلة اكتمال في أكثر من موقع، والسلبية تمحيها إيجابيات لا تُعد فاجعلوها أساس حديثكم واحفظوا عُمان لأننا سنُسأل عنها أمام الله والتاريخ والوطن، ولنعمل من أجل ذلك فنحن بعضٌ لبعضٍ، وإن لم نشعُر خدَمُ.
وكلمات أخرى لكل من يعتز بعُمان: الخير مكمنه بطن الشر، وأن المِحن مضامينها مِنحٌ لِمن أحسنَ استغلالها، ونحن ماضون في الطريق الصحيح إذا ما استمرت هذه الهَبّة الوطنية العظيمة، ولا يفوت في كل هذا الحدث التحايا العميقة والجزيلة للأجهزة العسكرية والأمنية التي تستمر في تأدية أدوارها البطولية المعهودة بكل اقتدار وتضحية، والإيمان راسخ أن عمان أرض الخير، والنهج مستمر في كَنفِ سلطان الوفاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه الذي توسّم به المقام الخالد قابوس بن سعيد رحمه الله لعُمان، وطالما أن شاهين قد غادر فقد آن العمل على المِنحة، والفرص لا تتكرر ولا تنتظر، وحيّ على عُمان، حيّ على عُمان، حيّ على عمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأبيات: لسالم بن علي الكلباني