المحامي محمد بن سعيد بن أحمد المعمري
شركة الجرادي والمعمري محامون ومستشارون في القانون
Mohd@legaljm.com
اختلفت وجهات النظر بين المشتغلين بالقانون من حيث معالجة موضوع جواز إنهاء خدمة الموظف لانقطاعه عن العمل بسبب عدم أخذه اللقاح، وإن كان الجميع يتفقون -في نهاية المطاف- إلى أحقية الجهة الإدارية في إنهاء خدمة الموظف، إلا أن طريقة إنهاء خدمة الموظف دون التقيد بالإجراءات القانونية يعرض القرار إلى عدم مشروعيته؛ لذا أبسّط الموضوع بشيء من التفصيل بغية الوصول إلى الإجراءات السليمة في هذا الشأن؛ وذلك وفقًا للتفنيد الآتي.
بادئ ذي بدء لا يصح لجهة الإدارة أن تُنهي خدمة الموظف لأسباب انقطاعه عن العمل بشكل مباشر؛ ذلك أنه متى ما ثبت لجهة الإدارة أن سبب الانقطاع عن العمل مرده عدم أخذ الموظف للقاح؛ فإنه لا يجوز إنهاء خدمته بهذا المسلك؛ ذلك أن المستقر عليه في قضاء محكمة القضاء الإداري بالسلطنة في إعمال قرينة الاستقالة الضمنية شرطه هجران الوظيفة العامة؛ فمتى ثبت أن الانقطاع عن العمل جليّ سببه لجهة الإدارة لعدم أخذ الموظف اللقاح، وقامت جهة الإدارة بإنهاء خدمته بهذه الشاكلة؛ فإن قرارها يُعد غير سليم قولًا واحدًا دون خلاف.
وبالمقابل جهة الإدارة لها أدواتها القانونية في ضبط سير المرفق العام بانتظام واضطراد، فغياب الموظفين عن العمل لا ريب أن يتمخض عنه الإخلال بتقديم جهة الإدارة لخدماتها للمنتفعين بالمرفق، ويتسبب أيضًا في ضياع الحقوق، فضلًا عن التقليل من هيبة السلطة التنفيذية؛ لذا فإن المشرع عالج مثل هذه الحالات بأكثر من وجه؛ حيث أن جهة الإدارة لها أن تلجأ إلى احتساب مدة الغياب خصمًا من الإجازة الاعتيادية إذا كان للموظف رصيد منها وإلا حرم من راتبه الكامل عن مدة غيابه؛ تطبيقًا لقاعدة الأجر مقابل العمل، وتجدر الإشارة عند تطبيق هذا الإجراء، ليس لزامًا على جهة الإدارة التقيد بإجراءات الشكل التي يطلبها إصدار القرار الإداري من وجوب إصداره من مختص بإصداره ونحوه؛ باعتبار أن القرار في هذه الحالة هو إعمال لحكم القانون متى تحققت واقعة الغياب دون مسوغ قانوني؛ لذا يصح للجهة المختصة بشؤون الموظفين أن تتخذ هذه الإجراءات بصورة مباشرة دون التقيد بالإجراءات المعلومة لإصدار القرار؛ تنفيذًا لحكم القانون.
علاوة على أن الجهة الإدارية لها سبيل آخر في معالجة هذا الوضع من خلال القرار التأديبي؛ مع مراعاة أن يرتكن القرار على سبب يسوغه، وهو ارتكاب الموظف لذنب إداري لفرض عقوبة مناسبة على هذه المخالفة حسب جسامتها؛ لذا وجب عند إنزال العقوبة على الموظف ألا تكون هذه العقوبة بها غلو في تقديرها فالشطط ممنوع، وألا تكون العقوبة فيها تفريط مسرف في الشفقة يؤدي إلى التهاون في العمل والاستهانة به، وإن حصل هناك غلو في هذه العقوبة؛ فإن محكمة القضاء الإداري لها سلطة الرقابة القضائية في تناسب العقوبة مع المخالفة المرتكبة.
وأرى أنه لا يصح لجهة الإدارة بمجرد أن تنقضي مدة (30) الثلاثين يومًا متصلة أن تحيل الموظف للمساءلة الإدارية وتصدر قرارها بانتهاء خدمته لأسباب انقطاعه عن العمل عن هذه المدة فقط؛ باعتبار أن هذه المدة لا تتناسب وحجم العقوبة في ظل تيقن جهة الإدارية أن سبب انقطاع الموظف هو عدم أخذه اللقاح؛ ذلك أنه يتعين على جهة الإدارة أن تتبع عدة خطوات لمعالجة الموضوع، أخصها التدرج في إيقاع العقوبات في مثل هذه الحالات، ولا يؤخذ من هذا القول أن يتم التدرج التسلسلي الوارد بالمادة (116) من قانون الخدمة المدنية المعنية بالعقوبات الجائز توقيعها على الموظفين من الابتداء بالإنذار إلى الانتهاء بالفصل من الخدمة، وإنما القول ينصرف إلى أن تكون العقوبة تبعًا لعدد الأيام وحالة التكرار إلى أن تصل جسامة المخالفة المرتكبة إلى تناسب العقوبة بإنهاء خدمته في وقتها وظرفها المناسبين لكل حالة على حدة.
ختامًا لا يسعنا إلا أن نسأل الله برفع البلاء وانقضاء المحنة، وأن نجتاز هذه الغمّة دون فقدان أي موظف لحياته الوظيفية.